الأجنحة المتكسرة والوداد المتحضرة

بقلم: بدر الدين الإدريسي

تنصرم الأيام ويقترب الفريق الوطني من لحظة الصفر، من المباراة الأولى له عن الدور الأول لنهائيات كأس إفريقيا للأمم 2017 أمام المنتخب الكونغولي الديموقراطي يوم الإثنين القادم، ومع انقضاء الأيام نزداد قلقا وتوجسا مما يحدث بمعسكر العين بالإمارات العربية المتحدة، فمع ثقتنا الكاملة بأن إدارة العين لن تذخر جهدا من أجل إضفاء الإحترافية اللازمة على معسكر الأسود بما رصدته بسخاء من إمكانيات لوجيستيكية، ومن أجل تحضير الأسود للإستحقاق القاري، يساورنا القلق من إعصار الإصابات الذي ضرب الفريق الوطني، فغيبت عنه أجنحة لا يستطيع لا رونار ولا غيره أن يقلل من أهميتها في منظومة اللعب ولا من التأثير الذي ستتركه على مستوى ثوابت ومتغيرات النهج التكتيكي.
أصيب يونس بلهندة، ففقد الأسود واحدة من البوصلات التكتيكية المهمة، وكبر فينا وجع تغييب حكيم زياش، ثم أصيب أسامة طنان فكانت الخسارة كبيرة، لأن الفتى يملك ذكاء خارقا في أداء أدوار معقدة، فيصعب بالفعل أن نجد له بديلا بنفس الخامات الفنية، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن «البوكسينغ داي» للبطولة الإنجليزية سيرحل نور الدين أمرابط مصابا للفريق الوطني، لتتأكد إستحالة الإعتماد عليه في كأس إفريقيا، ويكون مؤسفا أن يفقد الفريق الوطني لاعبا بقوة إنفجارية رهيبة وبقابلية قل نظيرها لتمثل كافة الأدوار، بفضل ما يملكه اللاعب من سخاء حاتمي في بذل المجهود.
وإلى الآن لا نعرف بالتحديد ما إذا كان سفيان بوفال سيقدر على تحمل الإيقاعات الرهيبة للنزالات الإفريقية، وهل يقوى على كسب الإلتحامات البدنية التي تحفل بها المباريات الإفريقية، وهو الذي تأكد أنه لم يتحرر بالكامل من تبعات جراحة ثقيلة.
هي إذا أجنحة تتكسر، ولا يمكن أبدا أن نقف حيالها بفكر يائس، فأنا مع رونار في ما يبديه من تفاؤل برغم ما يتكسر من أضلع جراء إصابات لا يمكن أن يكون الفريق الوطني الإستثناء الوحيد فيها قاريا، إلا أن هذا الذي يحدث يمكن أن ينطبق عليه ما يقوله فقهاء القانون، من أن الضرورات تبيح المحظورات، وضرورة مواجهة لعنة الإصابات بالثقل الذي توجد عليه، تبيح بعض محظورات البناء الهيكلي للفريق الوطني، فلا يمكن حيال هذا الذي حدث أن نرفض لرونار اللجوء للاعبين ليسوا بكامل الجاهزية البدنية بفعل ما يوجدون عليه من ضعف التنافسية لكثرة جلوسهم مع أنديتهم في كرسي البدلاء، وأولهم عمر قادوري، كما لا يمكن أن نقبل إزاء هذه الإباحة للمحظورات، أن لا يستدعى حكيم زياش إما لشغل مكان بلهندة أو لتعويض الغياب المؤثر لكل من طنان وأمرابط.
ولم يكن يكف الفريق الوطني كل هذه الإصابات التي نتمنى أن لا تزيد عن الحد الذي بلغته، ليتعكر صفو المعسكر الناجح بالإمارات العربية المتحدة، فزاد الإلغاء الصادم لودية الفريق الوطني أمام المنتخب الإيراني للإعتبارات التي لا يمكن إطلاقا أن نتجاوزها أو حتى أن نجادل في حدة مرارتها، فليس هينا على أي مدرب أن يخسر محكا وديا على درجة كبيرة من الإستراتيجية، ويكتفي رونار بمحك واحد هو الذي سيضع الفريق الوطني اليوم أمام منتخب فينلندا، ليروض أسلوب اللعب قبل مباراة الكونغو الديموقراطية بعد أسبوع من الآن.
وقد تحسرنا أن لا يكون الفريق الوطني قد أقام معسكره التدريبي هنا بمراكش، ليفاضل بين ثلاثة منتخبات إفريقية (مالي، بوركينا فاسو والرأس الأخضر) إختارت المغرب لتستعد للإستحقاق القاري ولغيره من المواعيد الكروية المقبلة، في تصميم محكات ودية ذات أهمية قصوى في الرفع من الجاهزية وضبط الإيقاع الجماعي.
قطعا لا نقصد من هذا الذي نورده كملاحظات، تيئيس الأنفس ولا تبخيس قيمة العناصر الوطنية المنتقاة للمهمة ولا استباق الأحداث، فنحن على يقين من أن الفريق الوطني هو بمن حضر، وأن المكونات الحالية أهل لأن نثق فيها.
…………………………………………….
نحتاج وسط أكوام الشك وخرائب الجموع العامة للأندية وكل جدارات المبكى التي يتم تنصيبها للإكثار من النواح والعويل ومن كل الإبتزاز الممارس للأسف بإسم القانون على الأندية وعلى مصائرها، إلى وردة جميلة تطل من بين الأشواك تدفع إلى التفاؤل بأن الغد قد يكون جميلا، وبأن صورة كرة القدم المغربية مهما بدت مخدوشة، فإن بها ملامح من الجمال.
حقيقة أن هناك أشياء جميلة في كرة القدم يمكن أن نتفاءل بها ونستثمر فيها، بل ونجعلها قدوة، ظهرت ساطعة في الجمع العام العادي للوداد البيضاوي المنعقد يوم الجمعة الأخير، الجمع العام الذي إن تأخر عن موعده فلأن مكونات الفريق الأحمر كانت تراهن على أن يكون بتلك الصورة الرائعة والحضارية التي طلع بها.
قالت الأرقام الواردة في البيان المالي للوداد أن هناك حكامة جيدة على مستوى تدبير الموارد، وقالت العناوين الكبرى للبيان الأدبي لمؤسسة الوداد أن هناك حصانة هي إرث خلفه الرواد، قد تسمح ببعض الصراعات التي هي أصل الإختلاف الذي يقود للتنوع، ولكنها أبدا لا تسمح بالقطائع وبالتجني على تاريخ الفريق، فشاهدنا صورا حضارية راقية تكذب ما بالغ الإعلام أحيانا في تهويله، وبينما تجد الأندية الأخرى صعوبة بالغة في تدبير الإنفصال عن مدربيها، نجح الوداد في إبداع شكل أخلاقي في نقل السلط التقنية من المدرب الفرنسي دوسابر إلى الإطار الوطني حسين عموتا، وما إلى ذلك من الرسائل الجميلة التي أبرق بها الوداد، ومنها أن الفريق نجح بامتياز في القفز على كثير من المطبات المالية، حتى أنه طلع علينا في الجمع العام بذمة خالية من أي دين.
صورة الوداد المتلاحم والمؤسس على الحكامة الجيدة والمرتبط بثقافة الإجماع والإلتحام، هي ما يجب علينا كإعلاميين أن نصدره للرأي العام الرياضي الوطني والعالمي، بدل كل المراثي التي ننظمها ليل نهار لنروي عن أزمات ونكبات الأندية، فلا نصدر جراء ذلك، غير الأوجاع والقرف.

اترك رد