قاموس أو كابوس الدارجة لنور الدين عيوش

بقلم: عبدالصمد لفضالي
في إطار إصلاح المنظومة التعليمية تفتقت قريحة بعض المفكرين العباقرة واقترحوا إصلاحات بئيسة مضحكة ومبكية في نفس الوقت ٬ كقاموس أو كابوس “العربية المغربية” لصاحبه نور الدين عيوش ٬ وهو عبارة عن اقتراح للتخلي عن لغة المعلقات السبع ٬ وتعويضها بالدارجة بألفاظ نابية ودخيلة بدون قواعد لغوية٬ جاهلا أو متجاهلا هذا ” العالم اللغوي” أو “سبويه عصره” بأن اللغة ليست السبب في انحطاط التعليم أو غيره من القطاعات الأخرى٬ وكدليل على ذلك سأركز على دول جد متقدمة في جميع الميادين٬ فالصين واليابان وكوريا الجنوبية لهم لغات جد معقدة٬ فاللغة الصينية تتكون من 60 ألف رمز٬ والطفل الصيني يتوجب عليه بأن يعرف على الأقل 6000 رمز ليقرأ قصة قصيرة ويساير المواد التعليمية الأخرى٬ وكوريا الجنوبية لم تصنف كدولة مستقلة إلا في سنة 1948 ٬ ولم تخرج من الحرب مع جارتها الشمالية إلا في سنة 1950 وذلك من أجل مقارنتها مع المجتمعات التي تعلق فشلها على لغاتها وأزماتها التاريخية٬ ورغم ذلك فإن هذه الدول الآسيوية تعد من أقوى الدول اقتصاديا وأكثرها غزوا للأسواق العالمية٬ بسبب تفوقها التكنولوجي المرتكز على تقديس العمل والإخلاص فيه ٬ وقطعهم الصلة مع الفساد ونهب المال العام ونبذ سياسة “عفا الله عما سلف”٬ ففي أكبر مسح تعليمي عالمي وهو برنامج PISA الذي يشمل مجموعة من الدراسات ٬ تشرف عليها منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية ويجري كل ثلاث سنوات بهدف معرفة مدى براعة الطلبة من فئة 15 سنة في المعارف الأساسية في الرياضيات والعلوم ٬ نجد أن شنغهاي الصينية وكوريا الجنوبية سبق أن احتلتا الرتبة الأولى والتانية ولم تعودا تتخليان عن الرتب الأولى في مسابقات مماثلة لهذا البرنامج وذلك رغم لغاتها المعقدة.
إنه يجب على ” الخبير والمصلح ” نور الدين عيوش وأمثاله ٬ أن تكون لهم الجرأة ويعترفوا بأن الخلل يكمن أولا في انعدام الوازع الأخلاقي ٬حيث أن عددا ( قل أو كبر ) من المسؤولين والقييمين على بعض القطاعات العمومية والخاصة ٬ لايرون من مسؤولياتهم إلا وسيلة لنهب المال العام والنفخ في تعويضاتهم بكل طمأنينة في إطار ” سياسة عفا الله عما سلف ” وكل ذلك على حساب المصلحة والاستقرار العام.
كما أن هؤلاء ” الخبراء العباقرة ” يجب عليهم أن يتطرقو إلى المشاكل الأساسية للتعليم ٬ ككيفية الترشيد والمحاسبة على المردودية ٬ والكف عن المتاجرة في القرارات والمقررات التعليمية ٬ وعدم إخضاع التعليم للمزايدات السياسية والاحتكارات الحزبية ٬ وتهيئة الظروف الملائمة للمعلم والتلميذ٬ وعدم التساهل مع كل من يريد إفساد هذا القطاع الحساس الذي تعز به الأمم أو تهان ٬ ورجوعا إلى أسباب تقدم المجتمعات الآسيوية السالفة الذكر٬ فإنه في الصين يعرض المسؤولون الجدد قبل مزاولة مهامهم ٬ على مسؤولين سابقين يقبعون داخل السجون بسبب تجاوزاتهم المهنية ليكونو لهم عبرة.
أما مايتعلق بإلغاء مجانية التعليم ٬ فإن مقترحي هذا الإلغاء ٬ إما أنهم يريدون شرا بهذا البلد ٬ أو ليست لهم أي صلة أو معرفة بالمجتمع المغربي ٬ فالطبقات الوسطى من المجتمع لاتستوفي الشهر إلا بالكريدي ٬ زيادة على القروض الطويلة الأمد ٬ فما بالك بالطبقات الفقيرة والمعوزة التي تعيش (نهار بنهارو)٬ فهل غاب على هؤلاء المفكرين والمحللين وطبقا للواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه معظم شرائح المجتمع المغربي بأن إلغاء مجانية التعليم لاينتج عنه إلا هدر مدرسي رهيب يزيد في تعميق المشاكل الاجتماعية.؟ إن الاستقرار والتقدم رهين بالصلاح والإصلاح ولاشيء غير ذلك.

اترك رد