أمثال من كتاب الكنفاوي

بقلم: محمد الأشهب

مر علينا الكاتب عبد الصمد الكنفاوي، التفت إلى المبدع علي الحداني الذي كان يرأس ورشة «تأليف جماعي» لمسرحية ستُعرض في نهاية تدريب فني استضافته غابة المعمورة. وقال بلكنته الحادة: «لا تضيعوا وقتكم في اقتباس رواية أجنبية». وأشار إلى الحداني، الذي عرف بسلاسة وعذوبة كلماته، موضحا أن هناك مثلا شعبيا يقول عن ممتهن الخياطة بأنه «كيقطع من الجلايل ويزيد في الكمايم»، ورأى أن الصورة تصلح لبطل مسرحي.
أفسح المجال أمام أفكار نبتت لحظتها حول علاقة الخياط بالثوب حين لا يكون كافيا، أو تنطبق عليه قصة «سروال علي».. ضحك الحداني وهو يردد: «الأفضل أن تكون البطلة أنثى، لأن ذلك سيجعل المشهد أكثر تشويقا»، مستحضرا عبارة سيدي عبد الرحمن المجذوب التي يقول فيها:
«سوق النسا سوق مطيار.
يا الداخل لو رد بالك.
ويوريك من الربح قنطار
ويخسرك فراسمالك».
مع الاعتذار مسبقا لكل النساء اللواتي لا ينطبق عليهن هذا الوصف، لم يكن لي عهد بميل الكنفاوي إلى استلهام الأمثال الشعبية. فقد أمضى كل من أحمد سهوم وإدريس التادلي والطيب العلج سنوات في جمع الأمثال الشعبية وتصنيفها حسب المدن والتقاليد والبلاغة التلقائية. واهتم باحثون في فن الملحون بدورهم بجمع القصائد وترتيبها وشرح متونها ومضامينها، بما أزاح عنها صدأ الغبار وجنبها الانقراض، واتخذ كتاب مسرحيون من فن الأمثال مراجع، على غرار حكاية «البغل اللي زطم فالمرايا» أو «سبع صنايع والرزق ضايع». إلا أن الكنفاوي تعامل مع موضوع الأمثال من زاوية أخرى، فقد أرفقها بنقل روحها وترجمتها إلى اللغة الفرنسية، في كتاب صنفها إلى الموضوعات التي تتناولها، مثل المرأة والمال والبخل والكرم والشجاعة والخوف، ومختلف المظاهر الاجتماعية، وعلاقة الإنسان بالطبيعة ومجالات المعاملات التي تشمل التجارة والشغل والظواهر الطبيعية.
ومنذ صياغة الأمثال وهي أقرب إلى الحكم وعصارات التجارب، حتى أن المغاربة اعتمدوها، من دون الالتفات إلى القيم التي تبشر بها، خصوصا حين تكون في شكل الإذعان إلى الواقع والاستسلام إلى الأقدار. لذلك اهتم علماء الاجتماع برصد مضامينها في بلورة الوعي الجماعي، على منوال الخشية من البحر والنار والبرق الصاعق.
في العبر يقدم الكنفاوي نماذج بأمثال تحث على العمل والاعتماد على النفس ونبذ الاتكالية، كما في الأمثال القائلة: «اللي زرع الشوك كيمشي فيه بالحفى» في إشارة إلى «حقول» تنبت الأحقاد والضغينة والكيد. على منوال «اللي حفر شي حفرة كيطيح فيها». وإذ تزخر مقولة «لات من ندم» بفوات الأوان، يقدم ما يضاهيها في العامية، من خلال المثل: «اللي زرع الشوك كيحصد الندامة».
ويرى أن القول له معاييره وأخلاقه وضوابطه، ومنها تجنب كثرة الكلام في غير موضوع، حيث يعرض إلى المثل التالي: «كيدوي بلا مهامز» بمعنى أنه يطلق الثرثرة على عواهنها، أو يتدخل في ما لا يعنيه استنادا إلى المثل: «كيدخل بين العما وعصاه» أو «كيتصالح الراجل مع مراتو، وكتبقى فالحيرة يماه وخواتاتو» أو «البهيمة كتقبض من وذنيها وبنادم من لسانو».
في الكسل والوهم يعرض الكنفاوي إلى نماذج عديدة، منها المثل المأثور: «كيحصد الريح بالشبكة» أو «دير الهم فالشبكة شي يمشي وشي يبقى». لكنه يختزل قوانين التضاد في المثل الذي يتحدث عن الرجل الذي «كيطلع الماء فالعقبة»، وهو على عكس العلاقة بالسحر والشعوذة التي تتحدث عن الذي «كيجمد الماء في الركابي»، أو الملاءمة في الأشياء التي تقع على بعضها من مستوى «طاح الحك فالماء وصاب غطاه تم».
من عالم النساء الذي يتحدث فيه عن «السحارة غلبت الحزارة، ومولات اللسان دات كل شي»، وعن المرأة التي «كتشعل العافية بلا وقيدة»، أو تلك التي ذبلت ملامحها فانطبق عليها المثل: «يلا مشى الزين كيبقاو حروفو»، «ويلا مشى المال كيبقى خروفو»، إلى الرجل الأناني المهووس بنفسه، حيث يقرن سلوكه بالمثل القائل: «كيدفع علينا شبابو غالي بحال خيزو فالليالي». أو ذاك الذي يلتف حول الناس فيصبح «كيدور بحال الحلفة على اللواني»، أو ينسى ما يقوم به فيكون شبيها بذاك «اللي كيخرج بخبار وكيرجع بنسيت»، يتعمق الكاتب الكنفاوي في تركيبة وسلوكات الناس وطباعهم.
فهناك من: «كيحرق النوالة وكيبكي مع ماليها»، وهناك من قيل فيه بأن «اللي كيتهلا فراسو ماشي بخيل». ينضاف إليهما ذاك الذي: «كيتسلت بحال الحنش»، دون إغفال الآخر الذي «كيتقلب بحال الزمن» أو «كيتعلق فين يتفلق»، أو من قبيل «البيض الفاسد كيطلع على وجه الماء». أما عن أسرار الطبيعة فيحضر المثل: «النهار بعينيه والليل بوذنيه» لينتهي بالاعتماد على النفس، كما في المثل: «تحسينة بالفاس ولا جميل الناس».
لم يكن الكنفاوي يمد رأسه من النافذة، بل كان يقف بقامته المديدة، لا يخجل ولا يتعب «وحتى ثور ما عياتو قرونو».

اترك رد