التمثيلية النسائية بمجلس النواب على ضوء نتائج الانتخابات التشريعية.

مع كل محطة انتخابية يعرفها المغرب، يتجدد النقاش حول مكانة المرأة في هذه الاستحقاقات، وما إذا كانت قد تحولت من مجرد ناخبة إلى منتخبة، وانتقلت من التفاعل الهامشي مع السياسة إلى أن أصبحت فاعلا سياسيا مثلها مثل الرجل، خاصة مع المستجدات الدستورية لسنة 2011 التي نصت على السعي للمناصفة في الفصل 19 منه، وما رافق الانتخابات من تعديلات في القوانين التنظيمية المؤطرة لها، خاصة المادة الأولى من القانون التنظيمي لمجلس النواب التي سارت في اتجاه ضمان مقاعد للنساء/الشابات في الجزء الثاني من اللائحة الوطنية الخاص بالشباب، وذلك بأن تكون هذه الأخيرة مختلطة تضم الإناث والذكور الذي تقل أعمارهم عن أربعين سنة، عوض الشباب الذكور فقط كما كان سنة 2011.
أفضت هذه التعديلات على محدوديتها إلى تعزيز البرلمان الجديد بنساء إضافيات، وفيما يلي جدول يبين عدد النساء في البرلمان حسب كل حزب سياسي، في الدائرتين المحلية والوطنية.
تبين المعطيات الكمية المجمعة حول مخرجات العملية الانتخابية للسابع من أكتوبر 2016 المنحى التصاعدي عموما للتمثيلية النسائية في مجلس النواب، وعموما يمكن إبراز الملاحظات التالية:
أولا: ارتفاع تمثيلية العنصر النسوي في البرلمان الحالي مقارنة بباقي التجارب السابقة، خاصة خلال الولاية البرلمانية المنتهية (2011-2016) والتي بلغت حينها 17% نتيجة مضاعفة عدد المقاعد المخصصة لهن، والتي انتقلت من ثلاثين مقعدا في السابق إلى 60 مقعدا ابتداء من الانتخابات التشريعية لسنة 2011. وهو ما أدى إلى صعود 67 امرأة لأول مرة سنة 2011، ليرتفع العدد الآن إلى 81 امرأة أي بنسبة بلغت 20,5%.
ثانيا: يبدو أثر تعديل القانون التنظيمي واضحا في الرفع من نسبة النساء، إذ بالرغم من عدم إجبار القانون التنظيمي للأحزاب السياسية بإعمال مبدأ المناصفة في الجزء الثاني من اللائحة الوطنية الخاص بالشباب، إلا أن 11 شابة استطاعت الوصول لقبة البرلمان، بنسبة بلغت 36% من مجموع الشباب الذين عبروا للبرلمان عن طريق اللائحة الوطنية.
ثالثا: بالرغم من حصول نفس الأحزاب الثمانية على أكثر من ثلاثة في المائة من الأصوات، وبالتالي توزيع مقاعد اللائحة الوطنية على نفس التشكيلة السياسية، إلا أن الشابات الفائزات برسم الجزء الثاني من اللائحة الوطنية، تتوزع على أربعة أ أحزاب سياسية فقط (العدالة والتنمية -2- الأصالة والمعاصرة -7- الاتحاد الاشتراكي -1- التقدم والاشتراكية -1- ) وهو ما يبين طريقة تعامل الأحزاب مع نفس المقتضى القانوني. إذ في الوقت الذي رشح الأصالة والمعاصرة 29 شابة وشابا واحدا فقط ليتم احترام مقتضى تضمن اللائحة لشباب من الجنسين، وبالتالي أفرز فوز الشابات بجميع المقاعد المخصصة للجزء الثاني (7 مقاعد). فعلى النقيض من هذا تماما نجد حزب الاستقلال رشح 29 شابا وشابة واحدة فقط في لائحة الشباب وهو ما أدى إلى عدم فوز أية شابة من اللائحة (فوز أربعة شباب ذكور). وإضافة إلى هذين النموذجين، نجد أن حزب التقدم والاشتراكية إعتمد مبدأ المناصفة في الترشيحات في هذا الجزء، وهو ما أدى إلى فوز شابة وشاب، ثم هناك مقاربة الاتحاد والاشتراكي والعدالة والتنمية التي اعتمدت لائحة مختلطة دون احترام مبدأ المناصفة في الترتيب، وهو ما أفرز فوز شابة باسم الاتحاد الاشتراكي وشابتين من أصل 9 شباب بالنسبة للعدالة والتنمية.
رابعا: ارتفاع عدد النساء الفائزات في الدوائر المحلية من 7 نساء سنة 2011 إلى 10 نساء في هذه الانتخابات، تتوزع على ثلاثة أحزاب سياسية فقط عوض أربعة أحزاب في الانتخابات السابقة بسبب فقدان حزب الاستقلال لمقعده البرلماني بدائرة أنفا، والذي كانت تفوز به الوزيرة السابقة ياسمينة بادو منذ 2002.
خامسا: تكشف المعطيات كذلك عن مضاعفة حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة تقريبا لعدد مقاعد النساء في الدوائر المحلية (ارتفاع عدد النساء من 2 سنة 2011 إلى 4 نساء سنة 2016 بالنسبة للعدالة والتنمية ومن 3 إلى 5 نساء بالنسبة للأصالة والمعاصرة).
سادسا: عدم فوز نساء أحزاب اليسار (الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية) للمرة الثانية بأي مقعد في الدوائر المحلية، إذ المرة التي فازت فيها امرأة يسارية بمقعد خارج اللائحة الوطنية منذ اعتماد الكوطا سنة 2002 كانت سنة 2007، حين فازت لطيفة اجبابدي الوجه النسائي البارز بمقعد نيابي باسم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في دائرة يعقوب المنصور بالرباط. ما عدا هذه المحطة فإن كل المنتخبات في الدوائر المحلية تنتمي لأحزاب تصنف بأنها يمينية.
سابعا: لأول مرة تفوز لائحة محلية تقودها امرأة بمقعدين نيابيين، إذ فازت أمينة ماء العينين البرلمانية باسم العدالة والتنمية بمقعدين في دائرة الحي الحسني بالدار البيضاء، وهي ملاحظة تقوي فرضية التصويت السياسي في هذه الاستحقاقات. إذ يبقى ترشيح الحزب لامرأة من مدينة تزنيت في دائرة بالدار البيضاء جديرا بالملاحظة، إذ لولا اقتناع الحزب بأهمية هذا العنصر –أمينة ماء العينين- ضمن فريقه النيابي لما أقدم على ترشيحها في دائرة شبه محسومة له.
ثامنا: فوز تسع نساء من مجموع عشرة نساء الفائزات على المستوى المحلي من حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة تبين –إلى حد ما- التصويت السياسي للناخب في هذه الاستحقاقات، إذ فازت مثلا امرأة في الأقاليم الصحراوية باسم حزب العدالة والتنمية لأول مرة في هذه الاستحقاقات، كما فازت خمسة نساء من حزب الأصالة والمعاصرة في مناطق مختلفة من المغرب، لكن هذه الفرضية لا تلغي أن البعض من النساء فزن بسبب الامتداد العائلي، وقوة الرجل الذي يقف خلف المرأة الفائزة.
وعموما تبين هذه الأرقام أن التمثيلية النسائية حافظت على منحاها التصاعدي منذ سنة 2011، لكنها تبقى بعيدة عن غاية المشرع الدستوري، الذي تحدث عن السعي للمناصفة وأنشأ لجنة خاصة لذلك، إذ في الوقت الذي كان ينبغي تدارك تعديل الشق المتعلق بلائحة الشباب على الأقل للتنصيص فيها على المناصفة ما دامت إجراء استثنائيا، فإن المشرع أكد على أن تكون مختلطة، وهو ما أبرز التباينات المشار إليها أعلاه.
وتبقى فرضية التصويت السياسي في هذه الاستحقاقات في علاقتها بالنساء جديرة بالدراسة، لأن الفرضيات الكلاسيكية تبني عدم تصويت الناخب على النساء بسبب عقلية ذكورية لا تؤمن بحقوق النساء، وبالتالي إذا كان الناخب يصوت على الحزب السياسي بغض النظر عن طبيعة وجنس المرشح، فإن المدخل المهم أيضا في المغرب سيكون هو المطالبة بتعزيز الديمقراطية وتوسيعها، وتقوية الأحزاب السياسية حتى يختار الناخب بين أحزاب سياسية بغض النظر عن جنس المترشح، مع ضرورة دفع الأحزاب إلى ترشيح النساء في الدوائر المحلية.

العربي ايعيش
باحث في القانون الدستوري وعلم السياسة، كلية الحقوق أكدال
مهتم بقضايا النوع الاجتماعي والسياسة.

اترك رد