رياضة الأجساد ورياضة الأفكار في مغربنا المعاصر المستقل؟؟؟ ح.1

بقلم: د. محمد وراضي

منذ بداية الاستقلال، والحديث يدور حول “الشبيبة والرياضة”. والمقصود بالرياضة هنا رياضة الأجساد. أما رياضة الأفكار، فمتروكة للصدف والاتفاق، يعني أن تمرين العضلات متقدم على تمرير العقول والأذهان. ومجال تمرير الأولى منحصر في جميع أنواع الرياضات التي تنفق عليها الدولة أموالا طائلة، حتى التي هي خاصة بالمكفوفين وذوي مختلف العاهات؟
إنما ما الذي تجنيه الأمة من وراء الرياضات التي ينفق عليها حكامنا الملايير؟ والأموال التي ينفقها عليها هؤلاء الحكام للحصول على نتائج باهرة في هذه الرياضة أو في تلك: في كرة القدم، وفي كرة السلة، وفي الكرة الطائرة، وفي سباق الدراجات، وفي جميع أنواع السباق بصفة عامة، ما مصدرها؟ ومتى تم الحصول على نتائج باهرة، وبأموال هي في الواقع أموال الشعب، فما هي الجهة المستفيدة من تلك النتائج؟ الشعب نفسه؟ أم النظام الذي يعطي الأسبقية لرياضة الأجساد؟ أم الشعب الذي تدفع أمواله بالملايير لحمل الرياضيين على تحسين أداءاتهم في مختلف المنافسات داخل المغرب وخارجه؟
إننا على كل حال في عهد الصواريخ العابرة للقارات، لا في عهد البغال والحمير، ندرك كيف أن مساهمة الأفراد والجماعات في مختلف الميزانيات، مع نهاية كل سنة، وبداية أخرى، مساهمة مفروضة بالقوانين الجاري بها العمل. فالضرائب المباشرة وغير المباشرة، مضافة إلى ما يتم جنيه من أموال المعادن، ومن أموال الصادرات، وما يتم الحصول عليه من بيع ثمار البحر التي تستفيد منها شعوب الدول العالمية، وهي كما نعلم – ملك للأمة – بحيث إن الشعب كله صاحب مختلف الثروات التي تصب باستمرار في خزينة الدولة العامة، وفي بنكها العام. وأن من حقه أن يستشار بخصوص النفقات التي تدفعها الدولة لتوفير حاجيات ضرورية، ولتحسين مختلف أوضاعه المادية والمعنوية. ولتحسين هذين الوضعين، لا يصح أن يكون هناك اهتمام برياضىة الأجساد، دون الاهتمام برياضة الأفكار واحترامها والافتخار بها والترويج لها. إذ افتخار السلطة المغربية بنتائج رياضة الأجساد، لا بد أن يماثله افتخارها برياضة الأفكار. ولنؤكد هنا على أن الملايير التي تنفقها لفائدة الأولى أضعاف مضاعفة للتي تنفقها على الثانية، إلى حد أن الطغيان طاغ على هذه الثانية التي يعاني أصحابها من الإهمال واللامبالاة الشديدين المتعمدين!!!
فأي نظام عربي – مسلم نظامه اليوم نظام علماني هجين، لا بد أن يهمل دعائم النظام الإسلامي، لأن هناك بالفعل فرقا صريحا بين نظام مادي وبين نظام روحي، نقصد بين نظام تسيطر عليه المادة في كافة المجالات، وبين نظام تغلب عليه الروحانيات، إلى حد أنها تقوده، أو يغلب عليه – إلى جانب العدل – ما يعرف بالإحسان، الذي هو استحضار الله في مختلف تصرفاتنا، لأنه في اعتقادنا يراقب تحركاتنا وسكناتنا.
وأفظع ما في الفرق على المستوى الرسمي بين رياضة الأجساد ورياضة الأفكار، هو السماح للأولى بالتطور والابتكار والتفنن والمشاركة في بناء الوطن والرفع من شأنه. أما الثانية فتساهم في خدمة الدين ومساعدة أمير المؤمنين على أداء واجبه بعيدا عن أية مؤاخذات بعضها يدور في العلن وبعضها يدور في السر، مع التذكير بأن ممارسي رياضة الأفكار، ينتمون إلى مختلف الأطراف العلمانية والإسلامية. ولنركز تحديدا على الصحفيين والكتاب. فالصحفيون قسمان: إما أن يكونوا مدراء الصحف والمجلات، وإما أن يكونوا كتابا في تلك الصحف أو في تلك المجلات، أو كانوا كذلك في صحف أو في مجلات إلكترونية، يزودها كتاب بما لديهم من معلومات فكرية محددة.
فإن ذأب الرسميون منذ عقود على القول بأن حرية الرأي ميسرة في بلادنا، كما تؤكد مختلف دساتيرنا، فإن الواقع أثناء الممارسة يفند هذه المزاعم؟ فلمرات ولمرات تمت محاكمة مدير جريدة أو مجلة؟ و لمرات ولمرات تم تغريمه بملايين؟ ولمرات ولمرات، حالت السلطات دون نشر مقالات لكاتب جريء في جريدة أو في مجلة؟ ولمرات ولمرات، تم توقيف صحيفة حزبية عن الصدور لمدد عدة متفاوتة؟ ولمرات أخرى أحيل مدير جريدة أو مجلة على المحاكمة؟ ولمرات تم توقيف جريدة أو مجلة عن الصدور؟ ومع ذلك، لم يقف رؤساء الحكومات المتتالية عن التبجح بالسياسة التي يديرون بها بلادهم، وكأنهم فعلا يملكون حرية إدارتها القانونية والدينية، بينما الواقع الناطق الصارخ المتوجع غير ما يدعون؟ بل إنهم في الواقع محكومون لا حاكمون؟

اترك رد