«التطبيل والتزمير» من إبداع قنوات السيسي… والتلفزيون الجزائري يلاحق الحمير!

بقلم: الطاهر الطويل

إذا كانت مجموعة من القنوات العربية متفوقة في أمر ما، فهو تفوقها في كيل أطنان من المديح لحكّام بلدانها، وجعل أفعالهم وأقوالهم ترقى إلى مصاف المفاخر والأمجاد التي يلهج بذِكرها اللسان في كل وقت وأوان.
وحيث إن مصر هي «أم الدنيا»، فقد احتلت مرتبة الريادة في هذا الجنس الإعلامي المزدهر في بلاد العرب وغيرها من البلدان المتخلفة ديمقراطيًا. وبلغ المديح التلفزيوني أوجه في عهد زعيم الأمة الكبير، الذي صار من فرط حب الناس له يحمل لقب «بلحه»، بينما ينعته المغرضون الحاقدون الحاسدون الشامتون بـ»الرئيس الأخرق»، مثلما فعلت صحيفة «لاستامبا» الإيطالية منذ بضعة شهور.
ولئن كانت قناة «الشرق» التلفزيونية التي تتخذ من تركيا مقرا لها، «تدّعي» أن زعماء العالم يتجاهلون المشير عبد الفتاح السيسي باستمرار، مقدّمة أكثر من دليل على مزاعمها، فإن قناة «القاهرة والناس» تُظهر ـ في المقابل ـ قدرة الزعيم المذكور على إسداء النصح للقوى العظمى، حيث أوردت في نشرتها الإخبارية قبل ثلاثة أيام أن مُنقذ مصر وجّه رسالة إلى قطبي العالم، واشنطن وموسكو، مؤكدا أن التعاون بينهما سيخدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. ولا غرابة في أن يكون السيسي الناصحَ الحكيم، ما دام لا يملّ من القول «إن قدرة مصر لا حدود لها»، كما نُقل عنه في حوار لصحيفة «فايننشال تايمز»، أو كما جاء في عبارة لإبراهيم عيسى في «القاهرة والناس»: «إن مصر دولة قائدة ورائدة لا دولة مقودة ولا منقادة. مصر دولة صانعة لا تابعة». ويا حبذا لو جُعلت هذه الجملة لازمة جديدة للنشيد القومي المصري، تُضاف إلى ما أبدعه بحق الشاعر محمد يونس القاضي في نشيده الرائع «بلادي بلادي بلادي.. لك حبي وفؤادي»!
وبما أن بعض القنوات المصرية الخاصة تركت النعيم الديمقراطي الموجود في بلادها، وفرّت نحو جحيم أرض معادية (كما هو الشأن بالنسبة لقناتي «الشرق» و»مكملين» مثلا)، فإن تلك الأرض استحقت أن تُوجَّه إليها المدفعية الإعلامية انطلاقًا من العاصمة المصرية. وهكذا أعلنت قناة «القاهرة والناس» أمام العالم أن «تركيا تدفع ثمن دعمها للإرهاب»، وأضافت أن جيش الفتح التابع لجبهة النصرة في سوريا أعلن مسؤوليته عن اغتيال السفير الروسي أندريه كارلوف في أنقرة، موضحة أن الجبهة تحظى بدعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
هكذا، إذن، تعطي القناة الوفية لبلادها وحكّامها الدليل الساطع على أهمية فن «التطبيل» و»التزمير» في إلهاء الناس على قضاياهم المعيشية اليومية. ولكن، إلى متى؟ فـ»حبل الكذب قصير»، كما قيل قديمًا.

التسفيه للرفع من نسب المشاهدة!

وبعيدًا عن السياسة، قريبًا منها في الوقت نفسه، تبثّ قناة «القاهرة والناس» برنامجا آخر للإلهاء، يحمل عنوان «نفسنة»، وهو عبارة عن سفسطة نسائية، قائمة على التهريج المفتعل، بهدف إضحاك المشاهدين. ويكفي الاطلاع على عناوين بعض الحلقات للوقوف على هذا التوجه: «لمّا الراجل فلوسة تكثر…»، «قلب الستّ في معدتها»، حيث طفقت المشاركات في تقديم البرنامج يناقشن فكرة مفادها أن «الرومانسية تشتغل لدى المرأة حين تكون معدتها مملئة، عكس الرجل، حيث تكون الرومانسية (شغالة) عنده 24 ساعة على 24»!
والواقع أن هذا البرنامج يندرج في سياق مشهد إعلامي عربي عام، يروم التسفيه والابتذال والتسطيح والركض نحو تحقيق نسب مشاهدة عالية من أجل إغراء المعلنين، على حساب الذوق السليم، وأيضا على حساب المهمات الرئيسية المطلوبة من الإعلام، ومن ضمنها المساهمة في الارتقاء بالوعي الجمعي.
فلا غرابة إن أضحى الترفيه معادلا للتهريج، وصار الفكر والثقافة والتربية العدوّ الأول للقائمين على العديد من التلفزيونات العربية الخاصة والعامة، وهو ما ينذر بانحرافات خطيرة في طباع وسلوك الأجيال القادمة.

التلفزيون الجزائري يرصد «حركة مشبوهة»!

أثار تقرير تلفزيوني بثته القناة الجزائرية الرسمية أخيرا عاصفة من السخرية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تحدث عن العمليات الأمنية التي يقوم بها حرّاس الحدود، والمتجلية في ملاحقة الحمير التي تحمل البنزين المهرب. وجاء في التقرير الذي قرأه المذيع معززا بمشاهد في الموضوع: «على عجل، تخرج المجموعة وتنطلق إلى مكان الحركة المشبوهة. وما هي إلا لحظات حتى وقف الحرس على الحقيقة، إنها محاولة لتهريب الوقود.» وبعد إدراج تصريح لأحد حراس الحدود جاء فيه «تم حجز أربعة حمير، محملة بـ 18 صفيحة بلاستيكية تحتوي على مادة البنزين. وهذه الطريقة متعود عليها في الحدود لتهريب البنزين»، واصل الصحافي معلقا: «بما توفر من الإمكانيات، أحبط حراس الحدود كثيرا من محاولات التهريب. ومخطط تطوير حراس الحدود سيأتي بالمزيد تحقيقا للأهداف المتوخاة».
أخيرًا، صار لحراس الحدود ما ينشغلون به، من أجل تزجية الوقت وكسر الرتابة!

كاتب من المغرب*

اترك رد