الملك يعلن عن زلزال سياسي وليس دستوري

بقلم: عزيز ادامين*

بعض القراءات ولا اسميها تحاليل، وجدت في استعمال الملك في خطابه بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2017 – 2018 لمفهوم الزلزال السياسي، ايحاء مباشر لاستعمال الملك لإحدى اختصاصاته الدستورية الاستثنائية سواء كانت بحل البرلمان او اعلان حالة الاستثناء او حالة الطواىء او حكومة وحدة وطنية أو تغيير جذري في التحالف الحكومي… ولم يتبقَّ لـ”علماء التنظير السياسي” سوى القول بتعليق العمل بالدستور وإعلان الاحكام العرفية.

وفي هذا السياق نقدم الملاحظات التالية:
كل مبادرة دستورية من الملك الا ولها تكلفة سياسية واجتماعية واقتصادية، وتحريكه لبعض فصول الدستور له انعكاس على الوضع السياسي العام وايضا على الاستثمار الاقتصادي داخليا وخارجيا، كما ان المتتبع للخطب الملكية وتوجيهاته يلاحظ انه يسعى دائما إلى جعل الوضع العام عادي وغير استثنائي، رغم قساوة التقييم والنقد الموجه للسياسات العمومية او للفاعلين الرسمين والحكوميين.
للملك صلاحيات يمارسها بشكل يومي وعادي، وله ايضا صلاحيات تشكل “احتياط دستوري” يمارسها في اوضاع جد استثنائية وفي زمن سياسي معقد بتركباته، ولم تسمح الصلاحيات الدستورية للحالات العادية بفك طلاسيمها، و”الاحتياط الدستوري” مثل و”الذخيرة”، لا يتم اللجوء اليها إلا في حالات الضرورة القصوى، واستنفاذها يشكل خطر على صاحبها.
يتوهم من يعتقد ان الظاهرة السياسية في المغرب مؤطرة فقط بالدستور، بل تتحكم فيها ايضا محددات غير مكتوبة، وهي عبارة عن مجموعة من الاليات السياسية والممارسات والأعراف والقواعد، حيث يتم اللجوء الى رزمة من التدابير “فوق دستورية Meta-Constitutionnel من أجل فتح القنوات المسدودة دون الحاجة الى “التكلف” باستعمال قواعد دستورية او قانونية.
النظام السياسي المغربي، مثل جبل الثلج في البحر، الظاهر منه لا يشكل سوى ثلث حجمه المغموس في المياه، وتفكيك بنياته يقتضي ربط محكم ل “خماسية الأضلع” : الرمز، الخطاب، الممارسة والاكرهات والمصالح المتشابكة.
وبالتالي فالخطاب الملكي يسعى الى: إعادة ضبط ايقاع عمل المؤسسات وخاصة منها دور المجلس الاعلى للحسابات، باعتباره المؤسسة الوحيدة المنزهة عن التجاذبات السياسية، وعن اللغو في التأويل والتموقع، بل وظيفتها تطبيق القانون بمساطره وجوهره.
وضع المؤسسة الحزبية، في قطار السكة السليمة، ولا يعني ذلك النخب الحزبية، وإنما مجموعة من الافراد الذين شكلوا من موقعهم الحزبي شبكة علاقات شخصية وقرابات “أفرطت” في استغلال موقعها من أجل مصالح شخصية وعائلية على حساب المصلحة العامة، مما جعل الصورة النمطية عن المسؤول السياسي او المنتخب سلبية، وبالتالي فقدان “الثقة” في المؤسسة التي يمثلها ككل، صورة تعكسها ممارسة قيادات حزبية بتوظيف أبنائها وعائلاتها … في مناصب عمومية عليا. وهذه الممارسة الظاهرة للعيان بخصوص المسؤولين السياسيين والمنتخبين، فهي صغيرة جدا مقارنة مع كثافتها وتواثرها بخصوص المسؤولين الاداريين.
تحديد “تكنولوجية” دستورية جديدة، تتجاوز النص، تكون قادرة على الاجابة على المفاجآت السياسية، وتتماشى مع الظرفية الوطنية والقارية والدولية، وقادرة على التككيف مع كل المستجدات والتحولات في شتى مناحي الحياة العامة. وهو ما سيجعل التعديل الحكومي القادم بإضافة حقيبة وزارية جديدة مجرد تعديل حكومي جزئي.
أخيرا، فتح مسالك جديدة للشباب للمساهمة في الشأن العام المحلي والوطني، ولكن ب”حذر شديد”، لان الدولة واعية أكثر من غيرها، بأن الشباب الحالي غير “مؤهل نفسيا” لتلقي “صدمات” الفساد التي عرفته مجموعة من القطاعات، والتي نخرتها جزء كبير من النخب “القديمة” والنخبة “المخضرمة”، لان هؤلاء الشباب متحررين من كل “عقد” و”تعاقدات” الماضي، ولا يؤمنون ب”الشيخ” وانما ايمانهم بقيم صاعدة داخل المجتمع ركائزها: الحرية والكرامة والعدالة، والتشديد هنا بكون هؤلاء الشباب بيدهم مواقع التواصل الاجتماعي وقادرين على فضح كل شيء.
الم يغير “جوليان أسانج” العالم كل بموقع اليكتروني واحد اسمه “ويكيليكس” ؟
ألم يستطع الشاب سيباستيان كورتز دي 31 سنة أن يقود حزبه (حزب المسيحي الديمقراطي –اليميني-) للفوز بالانتخابات التشريعية في النمسا انطلاقا من نشاطه من مواقع التواصل الاجتماعي؟
*للباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري عزيز ادامين

اترك رد