إصدار جديد يضاهي موسوعة معارف عن “معجم الأعلام الجغرافية بتارودانت، المدينة القديمة”
بإحالاته المتعددة، ومضامينه الغنية، وشمولية الرؤية التي تناول بها المؤلف موضوع/ كتاب “معجم الأعلام الجغرافية بتارودانت، المدينة القديمة”، شكل هذا الإصدار الجديد علامة بارزة في مسار التطرق لتيمة نادرا ما تناولها الباحثون، بالرغم من كونها ذات صلة بتخصصات وعلوم مختلفة من تاريخ، وجغرافيا بشرية، وعلم الاجتماع، وعلوم اللغة، والسياسة، وعلوم الشريعة، وتلاقح الحضارات، وعلم الأنساب وغيرها من التخصصات.
من كل هذه العلوم والتخصصات نهل الأستاذ الباحث محمد سرتي قبل أن يقدم على تدوين عصارة تركيبية من المعطيات فريدة من نوعها في كتاب يقع في 250 صفحة من القطع المتوسط، يضم بين دفتيه كما هائلا من المعلومات الموثقة والمذيلة بمراجع وأرشيفات منها ما هو نادر، وحكايات شفاهية مدققة وغيرها، إلى جانب وقائع وشواهد مادية ضاربة في القدم، ومازالت تقف شامخة في مواجهة عوادي الزمن.
ذلك ما جعل من كتاب” معجم الأعلام الجغرافية بتارودانت، المدينة القديمة” الذي صدر مؤخرا ضمن منشورات “مكتبة سرتي” واحدا من المؤلفات التي تضم مضامين بسعة موسوعة معارف قائمة الذات، حيث لم يمر المؤلف، مرور الكرام على الأعلام الجغرافية وحدها، كما يوحي بذلك عنوان الكتاب، بل حرص على تضمين مؤلفه مجموعة من الإحالات في هوامش فصول الكتاب، تغري القارئ بمزيد من نهم القراءة والاطلاع على مؤلفات مرجعية في ريبيرتوار المكتبة المغربية والعربية الضاربة في القدم، وحتى في المكتبة الفرنسية.
وقد نبه الأستاذ محمد سرتي قراءه إلى هذه الخاصية في مقدمة كتابه حين قال” تهتم الطوبونيميا بدراسة أسماء الأماكن، وتقوم بوظيفة الدلالة على المكان ووصف طبيعته. كما تهتم بكيفية رسم التسميات الجغرافية، وكتابتها ونطقها، ودلالتها اللغوية والثقافية، وعلاقتها باللهجات المحلية، والبحث في العناصر التاريخية التي أسهمت في نحتها وولادتها، والتحوير اللغوي الذي لحق بها عبر العصور، إما بسبب الكوارث الطبيعية، أو متغيرات الأحوال الثقافية والاجتماعية والسياسية”.
وأضاف المؤلف قائلا:” من هذا المنطلق، فإن أي حديث عن طوبونيميا تارودانت، هو حديث عن الأماكنية الرودانية بحمولتها الثقافية، وبعدها الاجتماعي والتاريخي والجغرافي…إن وراء كل اسم أماكني بتارودانت قصة وموروثا شعبيا وتاريخيا وحمولة ثقافية، تختزن وتختزل واقع الناس، ونمط عيشهم، وتفكيرهم وتركيبتهم الاجتماعية، ومعتقداتهم وأصولهم الجغرافية، وتفاعل مدينتهم مع محيطها الجغرافي والتاريخي”.
وانسجاما مع هذه الرؤية، تعامل مؤلف الكتاب مع اسم الأماكن التي أوردها في كتابه كأنها وثيقة تاريخية قابلة للاستنطاق لتفصح عن جوانب هامة من التاريخ تارودانت، مستعينا في ذلك بوسائل غير مألوفة لدى الباحثين في مثل هذا الصنف من الأبحاث التي يتداخل فيها التاريخي مع الثقافي والانثربولوجي … من قبيل “حوالات الأحباس” و”مقيدات العلماء” و”الفتاوى الشرعية”، وكتب “النوازل والاقضية”.
ومما عزز من مصداقية المعلومات الواردة في كتاب” معجم الأعلام الجغرافية بتارودانت، المدينة القديمة”، بالرغم من كونه يغطي فترة زمنية طويلة وضاربة نسبيا في القدم، حيث تمتد من القرن 16 حتى منتصف القرن 20، أن الكاتب برع في توظيف مدلول وعمق مقولة” ليس من رأى كمن سمع”.
وبهذا الخصوص استثمر الأستاذ سرتي المشاهدات التي دونها المستكشفون الفرنسيون والإسبان والإنجليز الذين حلوا بمدينة تارودانت في أزمنة متفرقة أمثال الطبيب الإنجليزي وليام لامبريير، والإسباني خواكين غاثيل، والفرنسية لادريت دو لاشاريي، والأسير البرتغالي على عهد الدولة السعدية دييكو دي طوريس.
كما نهل المؤلف مما دونه العلماء والنخبة من أفراد الأنتيليجنسيا المغربية خلال رحلاتهم الداخلية وفي مقدمتهم الرحالة محمد بن الحسن الوزان، والقاضي أحمد سكيرج، والعلامة النابغة محمد المختار السوسي، وغيرهم ممن يمكن تصنيفهم كشهود عيان موثوق برواياتهم.
كل هؤلاء المؤلفين والشهود وغيرهم من المصادر الأخرى صهرهم الكاتب محمد سرتي في بوتقة “معجم طوبونيمي يرصد الأماكنية الرودانية”، وهذه الأماكنية أوردها في كتابه مصنفة حسب الترتيب الابجدي من الألف إلى الميم. حيث أورد الكتاب حكايات ومعلومات حول آبار مدينة تارودانت، وأبواب وأبراج سورها التاريخي، وأحيائها وأسواقها، واضرحتها وأفرنتها.
وتحدث الكتاب أيضا عن بساتين مدينة تارودانت، والسواقي والحمامات والفنادق والحومات والرياضات والدور( جمع دار، مثل دار البارود ودار الشمع…)، والزوايا الروحية، والسواقي والسقايات، والقصبتين السلطانية والزيدانية، والمدارس والمعاصر والمقابر والمساجد، وملاح المدينة(الحي اليهودي).
هذا الزخم من المعلومات ضمنها الباحث محمد سرتي في كتاب يتسم بسرد شيق لا يكتفي بإطلاع القارئ على خبايا الأماكنية في مدينة تارودانت، وإنما يعتبر أيضا وثيقة تاريخية تحفظ جزءا هاما من ذاكرة مكان ضارب في عمق التاريخ والحضارة هو مدينة تارودانت المعروفة لدى المؤرخين، ولدى عموم النخبة العارفة ب”حاضرة سوس”.