إعادة هندسة تدبير منازعات الدولة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وترشيد النفقات

بقلم: ياسين كحلي (.)

تنظم وزارة الاقتصاد والمالية، عبر الوكالة القضائية للمملكة، يومي 15 و16 أبريل 2025 بالرباط، المناظرة الوطنية الأولى حول تدبير منازعات الدولة تحت شعار: “تدبير منازعات الدولة والوقاية منها: مدخل لصون المشروعية واستقرار الاستثمار وترشيد النفقات”. وتأتي هذه المبادرة في سياق تزايد التحديات القانونية والمؤسساتية المرتبطة بتصاعد حجم المنازعات التي تواجهها الإدارة العمومية، حيث تشير التقارير الرسمية، لاسيما الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات والوكالة القضائية، إلى أن التكاليف الناتجة عن هذه النزاعات تتجاوز 2 مليار درهم سنويا، فضلا عن تأثيرها السلبي على المناخ الاستثماري واستنزاف المال العام.

كيف يمكن تجاوز المقاربة التقليدية في تدبير منازعات الدولة، التي تركز على المعالجة اللاحقة، نحو مقاربة استباقية تدمج بين التوقع، والتنسيق المؤسساتي، والترشيد المالي، بما يحقق التوازن بين متطلبات المشروعية وضرورات التنمية؟

يكتسي الموضوع راهنية خاصة بعد دستور 2011، الذي وسع من مسؤولية الدولة القانونية، وكرس مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ما يفرض إعادة النظر في آليات تدبير المنازعات من زاوية استباقية تقوم على الحكامة القانونية والنجاعة المؤسساتية. وقد تفاقمت الإشكالات المرتبطة بالمنازعات نتيجة القصور في التنسيق بين المتدخلين، وتعدد الجهات المعنية، وغياب رؤية استراتيجية موحدة. وتبرز الإحصائيات أن %60 من أسباب النزاعات تعود لمخاطر قانونية ومالية كان من الممكن التنبؤ بها وتفاديها، بينما تظهر تقديرات أخرى أن تحسين جودة الصياغة القانونية والرقابة الإدارية قد يجنب الإدارة ما يفوق %40 من المنازعات القضائية.

وترتكز المقاربة الجديدة المقترحة على أربع ركائز أساسية:

  • أولا : تعزيز الوقاية الاستباقية من خلال تعميم مراجعة قانونية مسبقة لكل المشاريع والقرارات الإدارية، وتكوين الموظفين في مجالات الصياغة القانونية وإدارة المخاطر.
  • ثانيا : توحيد الآليات المؤسساتية، عبر تفعيل دور الوكالة القضائية كجهة مركزية تعمل على التنسيق، وإنشاء وحدات قانونية متخصصة داخل الإدارات العمومية.
  • ثالثا : تشجيع الوسائل البديلة لتسوية المنازعات، بما في ذلك التحكيم الإداري والتوفيق، خاصة في مجالات العقار والاستثمار.
  • رابعا :رقمنة مسار التقاضي عبر منصات إلكترونية موحدة تربط بين الجهات الإدارية، وقواعد بيانات الصفقات والمنازعات، بما يعزز الشفافية والتتبع.

وتأتي المناظرة المرتقبة لتكون فضاء للحوار بين صناع القرار والخبراء الوطنيين والدوليين من أجل بلورة تصور استراتيجي موحد، يتوخى ترشيد النفقات العمومية، وضمان نجاعة تنفيذ الأحكام القضائية، والتي لا يزال تعثر تنفيذها يشكل عائقا أمام حوالي %40 من المشاريع الكبرى. وستتناول الجلسات العامة والورشات الموضوعاتية مختلف أبعاد الإشكالية، انطلاقا من الجوانب العملية المرتبطة بتدبير الملفات القضائية، وصولا إلى الإطار القانوني والتنظيمي الواجب مراجعته، مع التركيز على المؤشرات الكمية والنوعية لقياس فعالية التدخلات المؤسساتية.

وبالتالي؛ فإن تحسين تدبير منازعات الدولة لم يعد مجرد إجراء إداري أو تقني فحسب، بل أضحى يمثل رافعة حقيقية لتحقيق الأمن القانوني، وضمان استدامة السياسات العمومية، وتعزيز ثقة الفاعلين الاقتصاديين. فتبني مقاربة شمولية تستند إلى الحكامة، والشفافية، والوقاية، يعد شرطا حاسما لا محيد عنه لضمان توازن حقيقي بين متطلبات المشروعية القانونية وضرورات التنمية الاقتصادية، وذلك في انسجام تام مع التوجيهات الملكية السامية، ومع مضامين الفصل السادس من الدستور الذي يجعل من حماية المال العام مسؤولية جماعية تبدأ من الإدارة وتنتهي عند أجهزة الرقابة والمساءلة.

مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية (.)

اترك رد