البريكس أم “البركوس”؟

بقلم: رشيد مصباح (فوزي)

عدم اتّخاذ موقف قد لا يدلّ على الحيادية ومحاولة تفادي الوقوع في الحرج، كما يظنّ ويعتقد صاحبه، بقدر ما يعبّر عن جبن وضعف في الشخصية. ومعناه الاصطلاحي المتداول؛ كما في الأوساط الشعبية خاصّة، هو: “مسك العصا من النصف”. وهو عيب من العيوب السلوكية والاجتماعية الأخلاقية، يعبّر عن تذبذب في الموقف: (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء). كما جاء في الآية الكريمة. لما يعتقده من  يمسك العصا من النصف أنّه بمنأى عن كل سوء.

لم أكن أعي مدى خطورة مثل هذا “اللاّموقف”، حين كنتُ شابّا وقال لي والدي وبكلمة واحدة: “ماعندكش موقف”؛ بمعنى ليس لديك موقف. وهذا بعد جدال طويل تميّز بالصّراحة، ومن بعدها حصل تصالح، واجهني حينها والدي بكلام اعتبرته قاسٍ وكنتُ لأرفضه لولا مكانة الذي تفوّه به.

الكلام عن الحياد، و “عدم الانحياز” لجهة ما، مع هذه التقلّبات والأحداث التي تزلزل العالم من مشرقيه إلى مغربيه في هذه الأيّام، وفي ظل كل هذه المؤامرات التي تحاك ضد الشعوب؛ من فقر وفساد وانتشار للظلم… كل ذلك لم يعد يجدي مع هذه القوى الكبرى المتجبّرة؛ التي تمتلك، إلى جانب أسباب الحياة، كل أسباب الفناء.

إن لم تكن معه فأنت بالضّرورة ضدّه.

  أختي الوحيدة، هي في مرتبة والدتي بعد وفاتها، أطال الله في عمرها وربط على قلبها المكلوم وأمدّها بالصحّة والعافية، سمعتها أكثر من مرّة تقول: “أنا وأخي على إبن عمّي، ومع ابن عمّي على عدوّي”.

 لا يوجد شيء اسمه الحياد، أو عدم الانحياز. كما أن الحق لا يقبل القسمة على اثنين، وإنّك حاولت ذلك ستكسره وتخسره.

منذ زمان ونحن نسمع عن التكتّلات، ونتمحّن من بعض القضايا الإقليمية والجوارية.. وننفق لأجل ذلك الأموال الغزيرة والطّائلة؛

 بالمناسبة أين ذهبت كل تلك الأموال؟.

 السياسات المنتهجة؛ عبر كل الأزمنة و العهود تقريبا، لم تكن لترضي العدو ولا الصديق. فالعدوٌ عدوٌّ، والصّديق لم يعد صديقا!؟

ثم نحن اليوم في عالم براچماتي لا مكان فيه للضعفاء؛ فلا ينبغي لنا أن نفرض منطقا صوريا؛ لم يعد يؤمن به أحد في هذا العالم، ولا حتى أبناؤنا الذين أخذوا الدروس من العوالم الافتراضية ولم يعد لديهم وقتا لسماع “خزعبلات” المبادئ والقيّم والأخلاق القديمة. فالحياة بالنسبة لهم: “خذ وهات”، وليس ثمّ شيء بلا مقابل.

من أين جاء ومتى وُجد هذا”لبركوس” أو البريكس؛ الواو واو المعيّة أي: ومن معهم، ومن هم على أشكالهم، و يدور في فلكهم. والبركوس عندنا في الجزائر وبلاد المغرب العربي، هو الضّأن الذي يربّى من أجل لحمه. ونحن نكون قد تسرّعنا بطلب الانضمام إلى دول مثل روسيا؛ ومتى كان لروسيا مواقف شجاعة تجاه شعوب العالم المنهوبة والمهزومة المغلوبة على أمرها؟! وحتى في عهد الاتّحاد السوفييتي بقوّته وجبروته لم نعرف عنه سوى جرائم “الكاجيبي” أو بيع السّلاح المغشوش القديم.

الأمر نفسه بالنسبة لبلد مثل الصين الذي لا يوجد له نظير في الغش والنّفاق. سيما عندما يتعلّق الأمر بالدوّل العربية، لأنّه لا يتجرّأ على الأقوياء مثل أمريكا ودوّل الاتّحاد الأوروبي.

ماذا عن الهند كي تطمع فيه الشعوب الجائعة؛ سوى أنّه قوّة نووية؟ وماذا عن البرازيل وجنوب افريقيا، وعن دول مثل إثيوبيا ومصر وإيران والسعودية؛ وفي المثل الشعبي عندنا: “ما تجوز الصدقة حتى تكفي بيت العيال.” فهل هذه معادلة صحيحة كي تعتمد عليها دولة مثل الجزائر؛ بموقعها الاستراتيجي وامكانياتها الكبرى؛ من غاز وذهب ويورانيوم… أمست سخرية تردّدها الأفواه.

اترك رد