في إطار تعزيز الدور المؤسسي للمؤسسات الدستورية، تواصل المملكة المغربية جهودها لتطوير الأداء الحكومي والاجتماعي من خلال التعيينات الملكية الأخيرة، التي شملت ثلاث مؤسسات بارزة: المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، مؤسسة وسيط المملكة، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة. وتأتي هذه التعيينات بهدف تعزيز الديمقراطية التشاركية، تحسين التواصل بين المواطنين والإدارة، وتعميق محاربة الفساد والنزاهة في العمل الحكومي.
المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي: قوة اقتراحية وتحديات جديدة
المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي هو مؤسسة دستورية تهدف إلى تقديم استشارات وآراء مدعومة بالخبرة تسْهم في تطوير السياسات الحكومية من خلال النقاش المستمر بين مختلف الفاعلين. منذ تأسيسه سنة 2011، تمكن المجلس من ترسيخ مكانته كقوة اقتراحية وفضاء للحوار وبناء الحلول. تولى عبدالقادر اعمارة، الذي عينه جلالة الملك نصره الله على رأس المجلس، العديد من المناصب الوزارية سابقًا في مجالات التجارة والصناعة، الطاقة، والتجهيز والماء. لقد برهن اعمارة على قدرته في التعامل مع التحديات العالمية والاقتصادية والاجتماعية، وقدرته على الانفتاح والعمل على القضايا ذات الطبيعة الحساسة التي تشغل المجلس.
وتتمثل أبرز التحديات التي يواجهها الرئيس الجديد في توضيح دور المجلس في القضايا الحكومية والتشريعية الراهنة، وتعزيز مكانة المجلس كفضاء تشاركي للاستماع للآراء والمطالب الاجتماعية، وتوسيع تمثيل المرأة والمغاربة المقيمين بالخارج في تركيبة المجلس. إضافة إلى ذلك، سيكون من الضروري إيلاء اهتمام خاص لمجالات الحماية الاجتماعية، والشباب، والحوار الاجتماعي، والتفاوتات المجالية.
وسيط المملكة: تطوير الوساطة وتعميق الإصلاحات
تلعب مؤسسة وسيط المملكة دورًا حيويًا في تحسين التواصل بين الإدارة والمواطنين، ويعد هذا المجال من المجالات التي تتطلب بذل المزيد من الجهود لضمان تفاعلية أكبر مع مطالب المواطنين. مؤسسة الوسيط التي حلت محل ديوان المظالم، مطالبة باستكشاف أدوار جديدة في الوساطة لحل النزاعات والمطالب الفئوية. وقد عزز التعيين الملكي للأكاديمي والبرلماني السابق حسن طارق في هذا المنصب آفاق المؤسسة في تطوير آليات عملها الرقمية والتوسع في مفهوم “الوساطة”، مما يعكس تعزيز جهود تحسين العلاقات بين المواطنين والإدارة.
الهيئة الوطنية للنزاهة: تركيز على الوقاية من الرشوة
من جانب آخر، تسعى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة إلى تنفيذ استراتيجيات فعالة لمكافحة الفساد. يركز العمل على الوقاية قبل تسخير الأدوات لمحاربة الرشوة. وفي هذا السياق، تم تعيين محمد بنعليلو، قاضٍ متمرس وواحد من الأسماء البارزة في مجال القضاء والقانون، ليقود الهيئة. تمتاز تجربته الواسعة في مؤسسة وسيط المملكة بقدرتها على ربط الاتصال المباشر مع شكاوى المواطنين واتخاذ مواقف حازمة في مواجهة الطعون ضد الإدارات العمومية. هذه الخبرة تجعل من بنعليلو الشخص الأمثل لتعزيز استقلالية الهيئة والعمل على تعزيز التنسيق مع السلطة القضائية لمحاربة الرشوة.
إن التعيينات الملكية في هذه المؤسسات تؤكد التزام المملكة المغربية بتعزيز الحكامة والمشاركة الشعبية، وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال المؤسسات الدستورية. وفي ظل هذه التعيينات، من المتوقع أن تشهد البلاد نقلة نوعية في مجالات الوساطة الاجتماعية، الوقاية من الفساد، والتفاعل بين المواطنين والإدارة، مما يعزز من تطلعات المواطنين ويحقق آمالهم في حكامة رشيدة.