الضلال والظلام القادمان من الشرق
بقلم: محمد وراضي
عندما أصيب المسلمون بضربة موجعة في الصميم، والتي تجلت في احتلال القدس من طرف الصليبيين، ورد على الأندلس والمغرب كتاب “إحياء علوم الدين” لأبي حامد الغزالي، فأفتى العلماء والفقهاء بإحراقه، وأيد الأمير علي بن يوسف بن تاشفين المرابطي فتواهم بدون ما تحفظ، حيث اتضح للمفتين أن الكتاب يشكل خطرا على الدين عامة، وعلى المعتقدات والممارسات التعبدية خاصة.
فأين تتجلى خطورة الكتاب الوارد علينا، وثالث الحرمين يقاسي من الاحتلال البغيض، الذي سوف يدوم لما يقرب من قرن زمني كامل؟ باختصار شديد، نورد بعضا من نماذج تلك الخطورة في الآتي:
أولا: بين دفتي كتاب “الإحياء” عدد لا يستهان به من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، يسوقها الغزالي لتأييد ما لديه من قناعات صوفية. وقد نكتفي هنا بتقديم مثالين لا غير:
أ-قال ص: “من صلى يوم الأحد أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب، وآمن الرسول مرة، كتب الله له بعدد كل نصراني ونصرانية حسنات، وأعطاه الله ثواب نبي، وكتب له حجة وعمرة، وكتب له بكل ركعة ألف صلاة، وأعطاه الله في الجنة بكل حرف مدينة من مسك أذفر” !
ومدلول الحديث – كما هو بين – مدلول ظلامي! إنه حديث مصنوع مفبرك! بحيث إنه لا يعقل لدى المحدثين، ولدى من يملك أدنى ذرة من العقل! أن يكون من كلام الرسول ص! فكثافة ظلاميته، ورائحة وضعه الكريهة تزداد عندما يوعد المؤدي للركعات الأربع بثواب نبي من الأنبياء! إذ كيف يعقل أن يحصل من يؤدي صلاة مبتدعة على الثواب الذي حصل عليه نبينا مثلا طوال عمره؟ وهو الذي عانى وحوصر واتهم بالسحر والكذب وقوطع وهاجر، وأصيب في أكثر من غزوة لإعلاء كلمة الله؟
ب – قال ص: “من صلى ليلة السبت بين المغرب والعشاء اثنتي عشرة ركعة، بني له قصر في الجنة، وكأنه تصدق على كل مؤمن ومؤمنة، وتبرأ من اليهود، وكان حقا على الله أن يغفر له” .
هذا الحديث مثل الذي سبقه، حديث واضح البطلان، موضوع لا أصل له، لكن الشيطان أفلح في إبعاد الكثيرين عن الاشتغال بمحتوى الأحاديث الصحيحة. إذ في الاشتغال بها غنية عن الاشتغال بغيرها من مبتكرات المبتدعة الأفاكين، ومع ذلك وجدنا المغاربة منذ عهد المرابطين يعانقون كتاب “الإحياء” وينظرون إليه نفس نظرتهم لكتاب الله وسنة رسوله ص!
ثانيا: دافع الغزالي عن وجود الخضر على قيد الحياة. والخضر هنا هو المذكور في قوله عز وجل: “فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما. قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا. قال إنك لن تستطيع معي صبرا. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا. قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك أمرا” .
فالخضر، أو صاحب موسى كما يقال لم يمت حتى الآن، مع أن الله تعالى قال يخاطب نبيه: “إنك ميت وإنهم ميتون” ! ومع أنه قال: “كل نفس ذائقة الموت” .دون أن يذكر في موضوع تعرض الجميع للوفاة أي استثناء.
وبالخضر الخالد الذي يوجد في كل مكان، تتعلق هذه الأطروحات.
أ- يتلقى العلم اللدني مباشرة من الله بدون ما واسطة.
ب- والنتيجة أن التمييز بين العلم اللدني والعلم الكسبي تمييز وارد. فصاحب العلمين أفضل لا شك من صاحب علم واحد. كما أن العلم الذي يتلقاه عن ربه مباشرة عبد مفتوح عليه،، أفضل من أي علم يتلقاه بوسائط،، كعلم الفقه، والأصول، والحديث، وعلم الكلام والنحو واللغة. فالعلم الكسبي في هذا السياق علم نسبي لحظي قابل للتغيير. والعلم اللدني في نفس السياق علم مطلق ثابت غير قابل لأي تبديل ولا لأي تغيير. إنه من الله وإليه مثل القرآن الكريم سواء بسواء.
وقد ترتب على التمييز بين العلمين، كون الولي – كما ورد عند ابن عربي في “فصوص الحكم” – أفضل من النبي! فالنبي ص له علم واحد تلقاه بواسطة جبريل، أما الولي فلديه علمان: علم تابع فيه للرسول وهو كسبي، وعلم غير تابع له فيه وهو لدني! فكما أن موسى عليه السلام كان تلميذا للخضر في العلم اللدني، فجائز أن يكون نبينا – عليه السلام – تلميذا لأحد الأولياء في العلم اللدني أو الوهبي!
ج- أصبح الخضر بعد الزعم الظلامي بأنه حي إلى الأبد! مصدر كثير من المعارف والأسرار والنصائح والتوجيهات! إنه يقابل الزهاد والمتصوفة في الخلوات والبراري والقفار! كما يقابلهم في الصوامع والدروب والأزقة وباحات الأضرحة والمساجد! تكفي الإشارة هنا إلى “المسبعات العشر” الذائعة الصيت في أوساط المشتغلين بالتصوف، إنها من إملائه على الزاهد إبراهيم التيمي، وقل من بين مشايخ الصوفية من لم يجعل منها وردا من أوراده! مع أن الخضر في الواقع شخص خرافي وهمي من جهة، ومع أننا كمسلمين في غنى عن الخضر وغيره من جهة ثانية! فالدين قد اكتمل، والرسول ص قد بلغ، ونصيحته لتجنب الوقوع في الضلال، تصب في إطار وجوب التمسك بالكتاب والسنة. لا بأقوال وتوجيهات الخضر وإلياس الوهميين!
ثم يأبى الغزالي إلا أن يسوق رؤيا منامية فحواها أن إبراهيم التيمي الذي تلقى “المسبعات العشر” عن الخضر، أخبره الرسول بأن كل ما يحكيه الخضر هو حق! وهو عالم أهل الأرض! وهو رئيس الأبدال! وهو من جنود الله تعالى، بحيث تمثل هذه الشهادة النبوية اعترافا بأن الخضر حي،، وأن الأخذ عنه مباح جائز، وأنه ص هو الذي أملى عليه “المسبعات العشر” تلك، وقد يملي عليه غيرها في المقبل من الأيام. إذ أنه أحيانا بمثابة واسطة بينه وبين الأولياء الصالحين المرضيين! خاصة منهم المحرومون من مقابلته ص إن في المنام وإن في اليقظة! ولا يستبعد أن يكون أحد الصلاح محظوظا فيقابل الاثنين كليهما، بحيث إنه يتمكن من غرف غرفتين، والاستقاء من منبعين!
وبما أن هناك مصادر غير القرآن والسنة لمعلومات تفيد الصوفية، فهمنا كيف يتم تخلصهم من قيود المحدثين والفقهاء والمتكلمين. فإن كان المحدثون يلزمون كل من أتى بحديث منسوب إلى الرسول بإظهار سنده ومصدره. فإن الفقهاء – كما هو معروف – يهتمون بأصول الأحكام، وبكيفية استخلاص الفروع منها بطرق اجتهادية محكمة. مما يفرض على الصوفي وغيره تحديد مصدر ما يعتمد عليه مما هو نظري ومما هو تطبيقي. ولكن بما أن الصوفي خاضع لهواه، لأن الابتداع أساسه الهوى لا الدين والعقل، اختار الأحاديث الموضوعة. وكلام الخضر،، ومضامين الأحلام والرؤى والهواتف وأحاديث النفس!
وسوف نرى كيف أن بعض الشيوخ لا يكتفي بالأخذ في المنام عن الرسول كحال إبراهيم التيمي، وإنما يدعي أخذه يقظة عنه، يعني أنه يسمع مباشرة كلامه منه.
ثالثا: في اقتداء الغزالي بالمتصوفة الذين سبقوه شوه مفهوم التوحيد، فقد ميز فيه بين أربعة مراتب:
– المرتبة الأولى: “أن يقول الإنسان بلسانه: لا إله إلا الله، وقلبه غافل عنه، أو منكر له كتوحيد المنافقين! (لا توحيد لدى أي منافق؟).
– المرتبة الثانية: “أن يصدق بمعنى اللفظ قلبه، كما صدق به عموم المسلمين، وهو اعتقاد العوام”!
– المرتبة الثالثة: “أن يشاهد ذلك بطريق الكشف بواسطة نور الحق، وهو مقام المقربين، وذلك بأن يرى أشياء كثيرة، ولكنه يراها على كثرتها صادرة عن الواحد القهار”! وهذه المقالة الواضحة تكاد تكون بديهية لدى أي مؤمن، إن لم تكن كذلك!
– المرتبة الرابعة: “أن لا يرى في الوجود إلا واحدا، وهي مشاهدة الصديقين، وتسميه الصوفية الفناء في التوحيد، لأنه من حيث لا يرى إلا واحدا فلا يرى نفسه أيضا. وإذا لم ير نفسه لكونه مستغرقا في التوحيد، كان فانيا عن نفسه في توحيده، بمعنى أنه فني عن رؤية نفسه والخلق” !
فيصل الغزالي دون أن يدري إلى القول بأن توحيد الصحابة والتابعين والأئمة، وكل من ليس صوفيا توحيد العوام! أما توحيد الخواص فلا يشاهد أو لا يعرف إلا بطريق الكشف! بينما يحصل توحيد خواص الخواص بفناء المريد عن كل شيء، بحيث إنه لا يرى نفسه ولا يرى غيره، فلا يبقى غير الحق وحده سبحانه. وهذه وحدة الوجود بعينها، وعند تحليلها في النهاية، نجد أن لا فرق بينها وبين الحلول والاتحاد، وهما معا معتقدان فاسدان ظلاميان دخيلان على الإسلام!
وإلا فأي توحيد إذن “هذا الذي يغيب فيه الإنسان عن نفسه، فلا يعلم من هو؟ ولا أين هو؟ ولا يدري فرقا بين الحق والباطل؟ أو بين الحلال والحرام؟ أهذا إنسان يكلف بعبادات وطاعات وقربات؟” .
رابعا: الكشف والاطلاع: في مقدمة التهم الخطيرة الموجهة إلى الغزالي، ما يدعيه من كون الممارسين للرياضة الصوفية المنضبطة قادرين على قراءة اللوح المحفوظ. والاطلاع على ما في ضمائر الناس، ومشاهدة ما لم يستطع غيرهم مشاهدته أو الوصول إلى مدركات وعلوم وأسرار، عن طريق الحواس والعقل والتجربة لا يمكن الوصول إليها بأي وجه؟؟
ودون الدخول في التفاصيل، لابد لإدراك ما لن يدركه غير الصوفية من شروط. منها الرياضة التي تستهدف إزالة الصدأ أو الخبث المتراكمين على مرآة القلب. فالقلب كحوض في أعماقه منبع، لكن الروافد التي تحمل إليه الماء من الخارج تسده، نظرا لما هي مثقلة به من كادورات. فيكون على المريد أن يمنع تلك الروافد من صب ما تصبه في قلبه، لأن المنبع الموجود في أعماقه سوف تتاح له فرصة التدفق بما فيه الكفاية.
فإن كانت الروافد بمثابة جميع القوى الشهوانية، وبمثابة جميع القوى الغضبية، وبمثابة جميع وسائل المعرفة، من حواس وعقل وتجربة، وإخبار وتعليم، فإن استبعاد الاعتماد عليها لتلقي مختلف ما سميناه بالعلوم الكسبية النسبية، يسمح للقلب الطاهر النظيف الذي هو حينها عبارة عن مرآة صافية بتلقي الأسرار، والفيوضات الربانية التي لا يمكن لمن لهم قلوب وسخة قذرة استقبالها، والتشرف باعتمادها والتصرف فيها.
ومن هنا زعم الغزالي – وقلده في زعمه الكثيرون، منهم رأس “جماعة العدل والإحسان” في مطلع رسالة “الإسلام أو الطوفان” حيث ادعى – أن الحق كل الحق لا يوجد إلا لدى الصوفية. والحق الذي يعنيه هو الذي يحصل للمتصوفة تلقيه مباشرة من الله تعالى، أو هو “الحقيقة” التي تتدفق من القلب، متى أصبح القلب حوضا مائيا خاليا تماما من كل ما يكدره! أو أصبح مرآة مصقولة لا يعلوها أي صدأ!
وحتى يتم تنظيف القلب كحوض، أو يتم صقله كمرآة . لا بد من إزالة الحواجز الأربعة القائمة بين المريد وبين الحق. إنها المال، والجاه، والتقليد، والمعصية. وحتى إن لم يستطع المريد إزالتها دفعة واحدة، فبمقدوره برعاية شيخه أن يزيلها بالتدريج. إنما على أساس خضوعه لشروط أربعة هي “الخلوة”، و”الصمت”، و”الجوع”، و”السهر”.
ولن أمر هنا مر الكرام دون التنبيه إلى ما يمكن أن يتعرض له الخاضعون للشروط الأربعة هذه من مخاطر. فمنهم من يصاب في عقله! ومنهم من يصاب في نفسه! ومنهم من يصاب في بدنه! ومنهم من يصاب في دينه! والتفاصيل في مؤلف عبد الرحمان بن خلدون القيم: “شفاء السائل”. إذ متى عرفنا المفعول السلبي طبيا للجوع والسهر المتواصلين، بغض النظر عن الخلوة والصمت. توقعنا أن تكون الحقائق الصوفية البعيدة عن منطق الدين والعقل، مجرد توهمات أقرب ما تكون إلى أضغاث أحلام! أو إلى ما يصدر عن المجانين والمعتوهين، والسكارى والأطفال!
خامسا: إن الغزالي من المحبذين المؤيدين للاشتغال بالاسم المفرد “الله الله” كذكر. وهذا مما لم يرد به أي نص قرآني أو حديثي. والواقع أن كلا من العقل والنقل يستنكران التقرب به إلى الحق سبحانه. فقد رفض ابن عربي الحاتمي – وهو الكبريت الأحمر لدى الصوفية – في “الوصايا” التعبد به. ثم رفض التعبد ب”هو هو” كما يفعل البودشيشيون كفرقة بدعية حتى الآن! مستشهدا بقوله ص: “أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله” ! ولم يقل: “أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: “الله الله” أو “هو هو”!
مما يفسر كيف أن التقرب إلى الله بتكرار لفظ الجلالة “الله الله” عمل من استحسان العقول. والحال أن التحسين والتقبيح العقليين، أصل من أصول المعتزلة. أما التحسين والتقبيح النقليين، فقناعة من قناعات أهل السنة والجماعة. لكن بما أن المتصوفة غير ملتزمين تمام الالتزام بقناعات ولا بمذاهب الأئمة المجتهدين -كما سبق الذكر – فلهم تبعا لهواهم استحسان ما يريدون استحسانه!
فقد سئل أبو بكر الشبلي، لم تقول: “الله” ولا تقول: “لا إله إلا الله”؟ فأجاب: “أستحيي أن أوجه إثباتا بعد نفي”! ف”لا إله” نفي، و”إلا الله” إثبات! فقال له السائل الشاب: “أريد حجة أقوى من هذه”. فقال: “أخشى أني أوخذ في كلمة الجحود، ولا أصل إلى كلمة الإقرار” ! يعني أنه خاف أن يدركه الموت لمجرد انتهائه من تلفظ “لا إله”ّ دون أن يتمكن من تلفظ “إلا الله”. فيموت على الكفر!
هكذا يكون الاستحسان بالأهواء والأذواق بعيدا عن النقل والعقل. حتى وإن بدا لنا أن للعقل حضورا في تبرير الاشتغال بالاسم المفرد “الله” كذكر، لكنه في الحقيقة ذكر غير حاضر، وغير مؤكد، وغير محقق، بل هو غائب. فالفعل وحده مثل “ضرب” والاسم وحده مثل “عثمان” والحرف وحده مثل “في” لا يمثل كل منها على انفراد كلاما أو جملة. فالكلام عند ابن آجروم هو “اللفظ المركب المفيد بالوضع، وأقسامه ثلاثة: اسم وفعل وحرف جاء لمعنى”. وهذا ما يعرفه صغار المبتدئين من المتعلمين! فتكرار “الله الله” مضيعة للوقت، وجعجعة بلا طحين. أما كلمة التوحيد أو الإخلاص فوراءها قوله ص: “لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع وعامرهن غيري في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا له إلا الله” .
فالمتصوفة إذن في إصرارهم على التعبد بلفظ الجلالة “الله” أعلم بالله من الرسول، وأعلم بالدين منه ص! مع أنه قال لنا: “لقنوا موتاكم لا إله إلا الله” . دون أن يخطر بباله، أو ببال صحبه الكرام، ما خطر ببال الشبلي،! والحال أن المحتضر قد يقول فعلا “لا إله” فيخطفه الموت قبل أن يقول: “إلا الله”، أو يقول: “كلمة الجحود” قبل أن يقول: “كلمة الإقرار”. لكن النية أبلغ من العمل، ولا يعقل أن يحاسب الله عبدا من عباده الذي لم يتمكن في حالة الاحتضار من التفوه بكلمة الإخلاص كاملة، فكيف باعتباره مات على الجحود والإنكار؟
سادسا: لا يرى الغزالي أي مانع من بناء دويرات الصوفية أي التكايا أو الزوايا، مع أن محاولة بنائها تمت على عهد الصحابة، عندما بنى عمرو بن عتبة مسجدا بظاهر الكوفة، حيث يلتقي فيه مع أصحابه لأداء الأذكار على هيأة الاجتماع. لكن عبد الله بن مسعود كمسؤول حكومي حينها هدم المسجد، وشتت شمل الذين يجتمعون فيه، واعتبر عملهم بدعة ضلالة!
سابعا: لا يرى الغزالي مانعا من تعاطي المنقطعين للعبادة في الزوايا للتسول والاستجداء، فقد يتسول واحد أو اثنان للحصول على طعام أو على ما يتم به شراء مستلزمات العباد المتجردين الذين لا يقومون بأي عمل لكسب العيش، مما يجعل منهم عالة غير مرغوب فيها على المجتمع!
ثامنا: لا مانع عند الغزالي من تخصيص أوقاف خاصة محددة للزوايا، بحيث يتم اعتماد مداخيلها لفائدة الفقراء أو الصوفية، متجردين كانوا أم منتسبين، بينما الدين يفضل اليد العليا على اليد السفلى، ويفضل الحطاب على من يتسول، أعطوه الناس أو منعوه!
تاسعا: كان الغزالي ينظر إلى غير الصوفية من الجماعات والفرق كالعلماء والفقهاء والمحدثين نظرة دونية. فهؤلاء لا نصيب لهم فيما يسميه بعلم الآخرة. هذا الذي ينقسم عنده إلى قسمين: علم المعاملة، وعلم المكاشفة، حتى ولو كان بإمكانهم الحصول على بعض من علم المعاملة، فسوف يكون نصيبهم منه، دون نصيب المتصوفة بكثير!