المجلس الأعلى للحسابات يوصي بتوفير هوامش إضافية احتياطية لمواجهة الظرفيات الطارئة
أكد المجلس الأعلى للحسابات على الحاجة الملحة لتوفير هوامش إضافية احتياطية لمواجهة الظرفيات الطارئة والصعبة التي ازدادت وتيرة حدوثها بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة.
وأوضح المجلس، في تقريره السنوي 2023 – 2024 ، أن سنة 2023 عرفت تفاق م إشكالية الإجهاد المائي، وما يستدعيه تجاوزها من استثمارات كبرى ومستعجلة، مما استلزم إطلاق البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي بميزانية قدرها 143 مليار درهم خلال الفترة 2020-2027.
كما يتواصل تنزيل الإصلاحات الكبرى التي أطلقتها المملكة، خصوصا ورش منظومة الحماية الاجتماعية الذي من المتوقع، حسب آخر تقديرات وزارة الاقتصاد والمالية، أن تبلغ كلفته 53,5 مليار درهم عند تفعيل جميع آلياته سنة 2026.
وأضاف التقرير أن الأضرار الجسيمة لزلزال الحوز شكلت تحديا إضافيا، إذ برزت الحاجة إلى موارد مالية مهمة لتمويل إعادة البناء ومساعدة المتضررين، مشيرا إلى أن احتضان المغرب لتظاهرات رياضية كبرى من التحديات التي تستلزم تعبئة موارد مالية هامة لتمويل الاستثمارات التي يتطلبها تأهيل البنية التحتية الرياضية والسياحية والاتصال والمواصلات وغيرها.
كل هذه العوامل، يقول التقرير، من شأنها أن تزيد من الضغوط على المالية العمومية وأن تشكل تحديات حقيقية أمام تحقيق الأهداف المسطرة، خصوصا في إطار البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات، والتي تتوخى من خلالها العودة التدريجية إلى التوازن المالي. علما أن تحقيق هذا الهدف يظل رهينا بالأداء الاقتصادي، ولا سيما بنمو الناتج الداخلي الخام وتأثيره على مداخيل الدولة واستدامة معدل نموها.
وأفاد المجلس الأعلى للحسابات أن المداخيل، خصوصا الضريبية منها، حققت ارتفاعا مهما بنسبة 11,7 في المائة خلال سنة 2024 (إلى غاية نهاية شهر غشت) مقارنة بنفس الفترة من سنة 2023، يرتبط، أساسا، بالإصلاح الضريبي الذي ش رع فيه ابتداء من سنة 2022، بالإضافة إلى عوامل أخرى كارتفاع نسبة التضخم وأثره على المداخيل الجمركية على الخصوص.
كما يتوقع، التقرير، أن يسهم إصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية وإصلاح منظومة الاستثمار، اللذان شرع في تنزيلهما، في تخفيف الضغط على المالية العمومية، وذلك لما يمكن أن يتيحه هذا الإصلاح من تقليص للتحويلات من ميزانية الدولة لفائدة هذه المؤسسات، التي فاقت 65 مليار درهم سنة 2023 مقابل مساهماتها في ميزانية الدولة التي لم تتجاوز 16,8 مليار درهم، برسم نفس السنة.
ومن شأن الرفع من نسبة مساهمة الاستثمار الخاص الذي يهدف إليه إصلاح منظومة الاستثمار، يضيف التقرير، أن يخفف من العبء الذي يشكله الاستثمار العمومي بالإضافة إلى ما يمكن أن يوفره من عائدات ضريبية.
وسجل المجلس الأعلى للحسابات أنه إذا كان من شأن هذه الإصلاحات توفير هوامش هامة للاستجابة لحاجيات التمويل، فإن تسريع تنفيذها يكتسي أهمية بالغة تفاديا للمخاطر التي قد تؤدي إلى التأخر في إنجازها، وذلك من أجل تعبئة الموارد اللازمة في أفق يتناسب مع توقيت بروز الحاجيات وضبطها، وكذا قصد ترسيخ مصادر تمويلية قارة والبحث عن مصادر أخرى مبتكرة لتخفيف كل هذه الضغوط على المالية العمومية.
وعلاقة بالمخاطر المحتملة التي قد تواجهها المالية العمومية على المديين المتوسط والبعيد، جدد المجلس التذكير بالحاجة الملحة إلى مباشرة وتسريع إصلاح منظومة التقاعد، وذلك للحفاظ على ديمومتها، مع لفت الانتباه إلى الوضعية المقلقة التي يشهدها الصندوق المغربي للتقاعد الذي يسجل تراجعا في أرصدته، مسجلا عجزا تقنيا بلغ 9,8 مليار درهم سنة 2023، ومن المتوقع أن تستنفد في حدود سنة 2028، حسب معطيات وزارة الاقتصاد والمالية.
وبخصوص تقييم تدبير برمجة نفقات ميزانية الدولة بفروعها الثلاث (نفقات الميزانية العامة، ونفقات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة، ونفقات الحسابات الخصوصية للخزينة)، ركز التقرير على مرحلة البرمجة والتخطيط الميزانياتية للنفقات العمومية.
ومع تطور الاستثمار، أصبح من الضروري مواكبته من خلال إرساء وسائل موحدة ورسمية للانتقاء والتتبع والتقييم القبلي والبعدي للمشاريع. كما أن منهجية الأداء بحاجة إلى تكريس فعلي، حيث تطغى المؤشرات المرتبطة بالوسائل بنسبة 50 في المائة على سائر المؤشرات الأخرى.
وفي هذا الإطار، أوصى المجلس بالعمل على التحكم في النفقات الإجبارية، ولا سيما نفقات الموظفين ودين الخزينة ونفقات المقاصة، وبالعمل على تحسين دقة التوقعات المتعلقة بالبرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات من أجل الرفع من جودتها، وكذا الحرص على تأطير القواعد المتعلقة باللجوء إلى فتح الاعتمادات الإضافية وإلى تجميد تنفيذ بعض الاستثمارات، وذلك من خلال التحديد الدقيق لشروط اللجوء إليها.
كما أوصى بإرساء توثيق ملائم لأعمال مختلف الفاعلين في البرمجة الميزانياتية، والعمل على توضيح مسؤوليات كل طرف من خلال بلورة ميثاق التدبير الذي نص عليه منشور رئيس الحكومة المتعلق بدور ومهام مسؤول البرنامج، وكذا مواصلة ترسيخ منهجية نجاعة الأداء، لا سيما مراقبة التدبير، وتوفير البيانات بجودة ملائمة وربط نظم المعلومات الم ؤ م نة فيما بينها.
وأخيرا، أوصى المجلس بتحسين جودة البرمجة الميزانياتية للاستثمارات من خلال ضبط أكبر لترحيل الاعتمادات والحرص على تضمين التوقعات الخاصة بالاستثمار للنفقات المتكررة المرتبطة بالمشاريع الاستثمارية المنجزة.
وعلى مستوى آخر، وبالنسبة للتصديق على حسابات الدولة، تواصلت، حسب التقرير، المجهودات على مستوى الأجهزة المكلفة بمسك المحاسبة العامة، وكذا على مستوى المجلس الأعلى للحسابات، الذي قام بعدة مبادرات منذ سنة 2017 وأنجز مجموعة من الأشغال بشراكة مع الخزينة العامة للمملكة، بصفتها الجهاز المسؤول عن مسك المحاسبة والإدلاء بالحسابات، وكذا مع الأجهزة العمومية المعنية بحسابات الدولة، وذلك من أجل التمكن من إنجاز عملية التصديق في ظروف مواتية تستجيب للمعايير المهنية وفي آجال معقولة.
وأكد التقرير السنوي أن المجلس سبق له التذكير، في مناسبات عدة، خصوصا في تقاريره السنوية والتقارير المتعلقة بتنفيذ قوانين المالية بهذه المبادرات وبالمقاربة المعتمدة المبنية على المواكبة والتدرج أخذا بعين الاعتبار أثر التحديات المرتبطة بمسك المحاسبة العامة.
كما أثار المجلس الانتباه إلى ضرورة الانخراط الفعلي لجميع المتدخلين في هذا الورش (الآمرون بالصرف، الخزينة العامة للمملكة، المحاسبون العموميون، …) وتطوير ثقافة العمل الجماعي بينهم لتوفير الشروط الأولية الضرورية لإنجاحه، وذلك من خلال تذليل العقبات التي تعيق مسار التصديق على حسابات الدولة المتعلقة بسنوات 2020 و2021 و2022.
وفي إطار تقديم الحسابات، أفاد التقرير بأن المجلس توصل من طرف الخزينة العامة للمملكة بتاريخ 5 شتنبر 2023 بدفتر الأستاذ برسم سنتي 2020 و2021 استكمالا للعناصر التي سبق الإدلاء بها عن الحسابين العامين للدولة برسم نفس السنتين اللذين تم تقديمهما بتاريخ 27 ماي 2022، و23 فبراير 2023 على التوالي.
كما توصل المجلس بالعناصر الأولية للحساب العام للدولة برسم سنة 2022 بتاريخ 21 مارس 2024 مرفقة ببعض الوثائق التفصيلية.
وقد تم الشروع في الإجراءات الأولية لعملية التصديق على حسابات الدولة ابتداء من تاريخ 13 دجنبر 2023، من خلال إعطاء انطلاقة عملية التصديق على الأرصدة الافتتاحية وحسابي سنتي 2020 و2021.
وأشار التقرير إلى أنه إذا كانت هذه المرحلة المهمة من عملية التصديق على حسابات الدولة قد سجلت بعض النقط الإيجابية، المتمثلة أساسا في التقدم النسبي المسجل على مستوى الإدلاء بالمعلومات وبالوثائق من طرف الخزينة العامة للمملكة، إلا أن العديد من الإكراهات لا زالت تؤثر على السير العادي للعملية.
وعليه، يضيف التقرير، وسعيا للتسريع في هذه العملية والتوجه التدريجي نحو آجال معقولة للتصديق على حسابات الدولة تراعي المعايير الدولية والممارسات الجيدة بهذا الشأن، فإنه يتعين إرساء منظومة فعالة للرقابة الداخلية، ومساطر للتبادل والولوج المستمر للمعلومات والبيانات بطريقة آمنة وآنية من طرف المجلس لدى كل من الخزينة العامة للمملكة والمحاسبين العمومين والآمرين بالصرف المعنيين.