بقلم: نعيم بوسلهام
في ظل التحديات التي تواجه القطاع الصحي في المغرب، يبرز المستشفى المحلي الأميرة للا خديجة بتاملالت كنموذج لاستثمارات ضخمة لم تؤتِ أكلها بعد، رغم أن تكلفته بلغت 26 مليون و514 ألف و200 درهم، وأنه يمتد على مساحة 18 ألف متر مربع، منها 4600 متر مربع مغطاة. ورغم تدشينه من طرف الملك محمد السادس سنة 2007، إلا أن هذا المستشفى، بعد أكثر من 15 عامًا، يبدو وكأنه “خارج التغطية” الصحيّة، حيث لم يحقق الأهداف التي أنشئ من أجلها، ولم يخفف العبء عن المستشفى الإقليمي بقلعة السراغنة كما كان مخططًا له.
عند النظر إلى الميزانية التي خصصت لهذا المشروع والتجهيزات التي يتوفر عليها المستشفى، يبدو أن الدولة قد استثمرت كثيراً في البنية التحتية الصحية بالمنطقة. يحتوي المستشفى على أقسام مهمة، بما في ذلك المستعجلات، الطب العام، الجراحة العامة، طب الأطفال، بالإضافة إلى مركب عمليات مجهز. ولكن، رغم كل هذه المرافق، لا تزال الخدمات الصحية المقدمة غير كافية، إن لم نقل منعدمة، حيث يواجه المرضى صعوبات في تلقي الرعاية المطلوبة.
هذا، وتُبرز التقارير التي رفعتها مختلف اللجان التي زارت المستشفى العديد من الاختلالات في سير المرافق الصحية. وعلى الرغم من هذه الملاحظات، لم تتخذ إلا إجراءات محدودة مثل إعفاء رئيس قطب الشؤون الإدارية العام الماضي، وهي خطوة لم تؤثر بشكل كبير على أداء المنشأة. يستمر المستشفى في إحالة أغلب الحالات إلى المستشفى الإقليمي بقلعة السراغنة، مما يعكس فشلًا في تحقيق الأهداف التي بني من أجلها، وهي تخفيف الضغط على قلعة السراغنة وتحسين جودة الخدمات الصحية في منطقة تاملالت.
ويمكن حصر الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع من خلال عدة عوامل:
1. النقص في الموارد البشرية: فعلى الرغم من تجهيز المستشفى بالمعدات، إلا أن قلة الأطباء والممرضين المدربين تجعل هذه التجهيزات غير مستغلة بشكل فعال. نقص الأطر الطبية يحد من قدرة المستشفى على تقديم الخدمات المطلوبة، خاصة في قسم المستعجلات والجراحة العامة.
2. ضعف التخطيط والإدارة: إن استثمارًا بهذا الحجم يتطلب إدارة ذات كفاءة عالية، ليس فقط من الناحية الإدارية، ولكن أيضًا في الجوانب الصحية والتقنية. فعدم الاستفادة من الإمكانيات المتاحة بالمستشفى يعكس نقصًا في التخطيط، وربما غياب رؤية استراتيجية لضمان استمرارية وكفاءة الخدمات الصحية.
3. غياب المتابعة الحكومية: على الرغم من أن المستشفى دُشن من طرف أعلى سلطة في البلاد، إلا أن غياب المتابعة من الجهات الحكومية يثير تساؤلات حول الرقابة على المشاريع الصحية في المناطق النائية. هل كانت هناك متابعة كافية لتقييم أداء المستشفى وضمان استجابته لاحتياجات المواطنين؟
نتيجة لهذه الاختلالات، تجد الساكنة المحلية نفسها في وضع صعب. على الرغم من وجود مستشفى محلي يتوفر على تجهيزات جيدة، إلا أن السكان يضطرون للسفر إلى المستشفى الإقليمي بقلعة السراغنة لتلقي العلاجات الأساسية. هذا الوضع يزيد من معاناة المرضى، خصوصًا الفئات الأكثر هشاشة، التي لا تمتلك الإمكانيات للتنقل بشكل دائم. بالنسبة للعديد منهم، يمثل المستشفى المحلي أملاً خائبًا بعدما تعلقوا بأمل تحسين خدمات الرعاية الصحية.
ويرى تهتمون بالشأن الصحي بالمنطقة أنه من أجل إصلاح الوضع، يجب أن يتم البدء بإعادة النظر في إدارة المستشفى المحلي الأميرة للا خديجة، من خلال توفير الأطر الطبية اللازمة وإعادة تفعيل الأقسام الموجودة. كما يتطلب الأمر تحسين ظروف العمل للأطر الصحية، وتوفير دعم مادي وتقني لضمان استمرارية الخدمة الطبية.
وختاما يمكن اعتبار المستشفى المحلي الأميرة للا خديجة بتاملالت هو مثال حي على التحديات التي تواجه المغرب في تحسين القطاع الصحي، خاصة في المناطق النائية. ورغم أن الاستثمار المالي في هذه المنشأة كان كبيرًا، إلا أن العوائد على السكان كانت شبه منعدمة حتى الآن. يبقى السؤال الأهم هو: هل يمكن إصلاح هذا الوضع وضمان استفادة حقيقية للسكان المحليين من هذه المنشأة؟