النظام الجزائري ولحظة مراجعة الحساب
بقلم: لحسن الجيت
ليست الغاية أن نشمت في أشقائنا الجزائريين لأننا انتصرنا عليهم. ولم يكن المغاربة على درجة من النذالة، كما هم عليها حكام هذا الجوار، بل كنا دائما حريصين عبر التاريخ على أن نكون لهم خير ما يمكن أن يكون عليه الجار،نحب لهم الخير كما نحبه لأنفسنا. دعوناهم غير ما مرة إلى ما تعودنا عليه من سياسة اليد الممدودة لنجد لهم مخرجا من الورطات التي أوقعوا فيها أنفسهم بحثا عن الريادة في المنطقة. وقد اعتقدوا أن ما كان يقدمه لهم المغرب من عروض لم يكن سوى من باب ضعفه على عكس ما آلت إليه التطورات الراهنة والتي أنصفت المغرب بفضل ما يتحلى به من رزانة وحكمة.
واليوم، فإننا لا نريد أن نبتهج لما حققه المغرب من إنجازات ومكاسب نكاية في الانتكاسة التي يوجد عليها أشقاؤنا وإخواننا الجزائريون، بل نأسف على ضياع نصف قرن من الزمن رهن فيه النظام الجزائري كل دول المنطقة بدون استثناء وفوت عليها فرص التقدم والازدهار والرقي بشعوبها إلى ما هو أفضل. لقد انقلب السحر على الساحر فعوض أن يضعف ذلك النظام المغرب أضعف نفسه وكان وباء على الشعب الجزائري الشقيق وأوهمه بأن “المروك” على حد قولهم بانهم مصدر لذلك الشر المستطير، وصور لهم على أن المغرب يستهدف الجزائر بالرغم من أن الملك محمد السادس كان على الدوام يؤكد لهم في مناسبات عدة بأنه لن ياتيهم أي شر من المغرب.
إن كانت هناك متاعب وإرهاقات تنتظر النظام الجزائري بسبب التطورات التي عرفها ويعرفها ملف الصحراء بعد تأكيد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، فإن المغرب يربأ بنفسه أن يتباهى بكل هذه التطورات التي تصب في خانة طروحاته وتعاكس طروحات النظام الجزائري. ولذلك لسنا من أولئك الذين يشمتون بتعداد ما تحقق اليوم من إنجاز. فنظرة المغرب تتجاوز هذه النظرة الضيقة مصداقا للقول المتعارف عليه وهو “العفو عند المقدرة” ولعلها رسالة يهتدي بها الكبار والحكماء وحاملي القيم التي تعنى ببناء المستقبل الواعد. والمغرب لا يهمه أن يضعف دول المنطقة لكي يتسع له المجال على أن يكون قويا على حساب الآخرين.
ولو كان هذا الذي تحقق لدولة أخرى غير المغرب لأقامت الدنيا دون أن تقعدها، لكن رسالة المغرب رسالة نبيلة وإنسانية ذات بعد حضاري. فليست مصلحة المغرب في تحويل الجزائر وهي بجانبه في حالة ضعف ووهن شديدين. ولكي تتقدم المنطقة إلى الأمام يجب أن تكون جميع دولها مستقرة لأن عدم الاستقرار من شأنه أن يؤدي إلى الفوضى وإلى حروب وإلى تنامي قوة الجماعات المتطرفة وتناسل الجماعات والميليشيات الإرهابية. هذه الحقائق يجب على النظام الجزائري أن يدرك مخاطرها وتداعياتها وارتداداتها حتى على من كان من وراء تأسيسها.
أشقاؤنا في الجزائر عليهم أن يقرأوا جيدا هذه التطورات التي عززت موقف المغرب وأن يدركوا أنهم اليوم أمام لحظة الحقيقة التي لا يمكن القفز عليها أو الإغفال عنها وهي أن كل العالم قد اصطف اليوم إلى جانب المغرب من باب الحق والإنصاف، وأن هذا المغرب اشتد عوده أكثر من أي وقت مضى . الفرصة اليوم سانحة لالتقاط الأنفاس والفرص التاريخية التي أضاعها النظام الجزائري في مناسبات سابقة. ولم يعد هناك مجال لممارسة التمويه وممارسة الحجر السياسي والإعلامي على الشعب الجزائري. الحقائق اليوم صادمة أنهت مسلسل الكذب والتمويه وأبانت على أن حبل الكذب قصير ولو أريد له أن يعمر خمسين عاما.
فالمحطات والاستحقاقات المقبلة بخصوص ملف الصحراء قد تضع النظام الجزائري في مآزق لا تحصى ولا تعد في اتجاه الحسم النهائي سيما بعد الإنذارات التي وجهتها واشنطن للجزائر، والمواقف الصارمة التي لوحت باتخاذها الولايات المتحدة الأمريكية من قبيل عدم تأخير أو تماطل النظام الجزائري ودعوته بشكل متكرر إلى الانخراط في الحل السياسي على أساس مبادرة الحكم الذاتي والذي يقر بسيادة المغرب على صحرائه.
عدا دون كذلك، فإن النظام الجزائري قد يجد نفسه أمام تحديات خطيرة تزيد من عزلته أكثر مما هو عليها حاليا منها إدراج واشنطنالبولياسريو، الذي صنعته الجزائر، في قائمة الإرهابيين وما قد يترتب عن ذلك من تأثير على مواقف العديد من الدول الإفريقية داخل منظومة الاتحاد الإفريقي. وكذلك على النظام الجزائري أن يهيأ نفسه جيدا للإحاطة التي يعدها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا إلى مجلس الأمن الدولي على أساس خريطة الطريق المرسومة له من قبل واشنطن والتي ستزيد من تعزيز الموقف المغربي. لكل ذلك فإن النظام الجزائري مدعو اليوم قبل الغد، إلى مراجعة حساباته الفاشلة خدمة لتطلعات شعوب المنطقة في العودة إلى الاتحاد المغاربي. وإلا سيكون الثمن غاليا في مواجهة الحساب العسير . ولقد أعذر من أنذر.