بعد حراك التعليم، حراك الصحة ارتداد جديد للتوتر الممتد في الزمن لحركة 20 فبراير المجيدة

بقلم: العلمي الحروني (.)

الصحة والتعليم قطاعان لهما بعد استراتيجي، فمن مهامهما معا بناء الرأسمال البشري، بناء المواطن الإنسان، الكفاءة الوطنية القادرة على النهوض بالشؤون الإقتصادية والاجتماعية.
خلافا للتوجه الذي يقول ” حان الوقت لترفع الدولة يدها عن الصحة والتعليم العموميين” وبالتالي إسنادهما للخواص المغاربة والأجانب، وهو توجه مملى من القوى الخارجية النيوليبرالية الجشعة مناقض لمطلب ” دولة العدالة الإجتماعية ” الذي يرفعه اليسار الديمقراطي.
فالشعار الذي ترفعه الدولة وحكوماتها أقصد ” الدولة الإجتماعية ” شعار تضليلي مزيف، لأن السياسات الحكومية في الواقع في نقيض لهذا الشعار، ودليلنا هو التوجه الفعلي للحكومات المتعاقبة الذي يسير في اتجاه التقليص من الدعم والاستثمار في قطاعي التعليم والصحة باتخاذ إجراءات وقرارات التشغيل بالعقدة والخوصصة لتخفيض كثلة الأجور.
هذا التوجه، اللاشعبي، المفروض من القوى الامبريالية الجديدة التي أثقلت كاهل البلاد بالمديونية، يضر بالسيادة الوطنية، وجد له ببلادنا وكلاء محليين للنيوليبرالية العالمية أقصد بالضبط تياري التحكم المخزني والتمكين الظلامي المتناوبان، بعد مصادرة وغصب “الإرادة الشعبية” عبر انتخابات فاقدة للمصداقية، على تنفيذ برامج سياسية واقتصادية وحتى اجتماعية مزيفة بشعار الدولة الاجتماعية من خلال توزيع الفتات على الطبقة المعوزة التي تعاني من الهشاشة العميقة والطبقة المتوسطة المقهورة والمثقلة بالديون.
توجه الخوصصة الخطير هذا، توجه استراتيجي قار في كل القطاعات والخدمات الاجتماعية الحيوية، توجه ماض بلا هوادة في اكتساح كافة القطاعات السيادية والحيوية، فبعد التعليم والماء الصالح للشرب تأتي الصحة والتطبيب والتعمير والإسكان والبقية تأتي تباعا.
لقد سبق هذا التوجه “اللاشعبي واللاديمقراطي”، الذي أسس له مرتكزات قانونية، بحنكة ودهاء، أن مرر “مدونة الشغل” المقننة للتشغيل بالعقدة تحت يافطة ” المرونة” والمشرعنة لقرارات تسريح العمال وللهشاشة في العمل بوضع السيف على رقاب الطبقة العاملة المكونة من العمال، حاملي الشهادات وأصحاب السواعد والعضلات، في شركات الرأسمال الجشع، في قطاعات الصناعة والمناجم والفلاحة والبناء والخدمات وغيرها، وأيضا على رقاب الطبقة العاملة الدهنية أو المهندسة كما يسميها الشهيد عبد السلام المودن.
كان لهذا التوجه اللاشعبي ضحايا كثر من الكادحات والكادحين في قطاعات المناجم والسياحة والفلاحة وغيرها بوارزازات وجرادة وسوس ماسة والغرب وطنجة ومكناس ومواقع أخرى عبر ربوع الوطن. ليس هذا فقط بل مس هذا التوجه الكارثي، أيضا الحركة النقابية وحق التنظيم النقابي عبر طرد مسؤولي النقابات الجادة بلغ حد الاعتقالات والتآمر لخلق فروع نقابات صورية مكانها …
وحاليا، هنا والآن، تسابق الدولة وحكوماتها الزمن للإشتغال على غلق قوس الحقوق والحريات عبر تمرير ” قانون الإضراب” لخنق كل فعل نقابي مناضل، واختتام مسلسل تقييد وتكبيل ومنع ممارسة حق الإضراب السلمي الذي يكفله الدستور المغربي والمواثيق والعهود الدولية. ذلك بعد ما تعرض له حراك التعليم من هجوم قمعي شاركت فيه، للأسف، بعض النقابات، تارة بالمباركة أو التواطؤ أو الصمت، وتارة بالخيانة والإنتهازية الواضحة.
وبالتأكيد، هذا التوجه اللاديمقراطي سيؤجج الإحتجاجات الفئوية السلمية التي ستخلق لها تنسيقيات وهي مرشحة لأن تتطور إلى نضالات أكثر تنظيما و قوة وشراسة.
بالعودة إلى حراك الصحة، بكل مكوناته النقابية وتنسيقيات الممرضين/ات ونقابة الأطباء وحركة طلبة الطب والصيدلة والجمعيات المهنية، أعتقد أن شراسة ووحشية الهجوم على مناضلات ومناضلين سلميين باستعمال وسائل قمعية غير مسبوقة بالعاصمة الرباط يوم 10 يوليوز 2024، وانتقاء مناضلين/ات واعتقالهم لثنيهم على العودة للميادين، أعتقد جازما أن تلك المقاربة الأمنية القمعية المفرطة لشكل نضالي سلمي، يعكس جبن وخوف السلطات من نمو قوة مواطناتية سلمية ما فتئت تتشكل، لتملأ الفراغات التي تركها تراجع حراك التعليم المجيد بعد القمع الذي تعرض له، هذا ما يفسر القمع المفرط ل “حراك الصحة” الواعد لوأده في مهده.
إن حراك التعليم وحراك الصحة جزء لا يتجزأ من نضالات الشعب المغربي من أجل الدمقرطة والعدالة والتحرر من الفساد والاستبداد، والحراكين معا، وقبلهما حراك الريف واجرادة وغيرها، وستأتي حراكات أخرى لا شك، كارتداد للتوثر الممتد في الزمن لحركة 20 فبراير المجيدة.
وفي الختام، وجب التذكير، وكما أشرنا إلى ذلك في مقالات سابقة، أن قطاع التعليم كان رحى أول مواجهة شعبية مع الاستبداد والفساد منذ السنوات الأولى للاستقلال المنقوص مع انتفاضة 23 مارس 1965 وعادت المواجهة بعد ما يقارب 60 سنة من جديد أكثر نضجا ووعيا بالملف المطلبي التعليمي في مرحلة 2018-2024.
(.) قيادي بالحزب الاشتراكي الموحد

اترك رد