تباين الأبقار واختلاف الأدوار

بقلم : فؤاد هراجة

ليس من العبث أن تسمى أطول سورة في القرآن وأكثرها تضمنا لقضايا الشريعة بسورة البقرة، وليس من الصدفة أيضا أن يكون القضاء وتحقيق العدالة محور قصة البقرة. دعونا من الفهم النمطي الذي اعتدناه حول قصة بقرة بني إسرائيل، وتعالوا بنا نستنطق آياتها ونحاول فهم واقعنا وما يجري حولنا من خلال ما تضمنته من دلالات وما تستبطنه من إشارات. فجميعنا يعلم أن رجلا غنيا كبيرا في السن من بني إسرائيل تم قتله، وكان له أبناء أخ كُثُر، فكاد ينشب بين أبناء العمومة اقتتال، فلجأوا إلى نبي الله موسى فأرشدهم إلى ذبح بقرة، والجميل أنهم في ذلك الوقت الغابر، رغم عدم توفرهم على وسائل إعلام وشبكات أنترنيت، ورغم افتقارهم لوزارة الفلاحة بأطرها العليا التي تستنزف ملايين الدراهم على الرواتب والمكاتب والمختبرات، ورغم حاجة أهل الميت الماسة إلى شراء أي بقرة للكشف على هوية القاتل، ورغم أن عرضهم منها غير الغذاء والاستهلاك، إلا أنهم لم يقبلوا بأي بقرة إلا بعدما تأمدوا من معايير جودتها، فهي بقرةٌ:
– صافية اللون (فاقع لونها)
– تملأ العين بجمالها (تسر الناظرين)
– منتصبة الأضلع والعضلات، لم تصب بذِلة أضلافها جراء العمل المضني في الأرض(لا ذلول تثير الأرض)
– عدم استعمالها في الحرث أو السقي( ولا تسقي الحرث)
– شدة سلامتها من أي عيب أو نقص بل المبالغة في شروط سلامتها (مُسَلَّمَة لا شية فيها) باستعمال وزن مُفَعَّلة.
«قالوا الآن جئت بالحق» فاشتروها وكانت قيمة وزنها ذهبا، فدفعوا ثمنها الباهض ولم يكترثوا رغبة في تجاوز الوهم والظن ومعرفة الحقيقة وتحقيق العدالة، ولولا هذه الجودة العالية لما عادت الحياة للميت فأخبر بقاتله!
والسؤال ما هو وجه الشبه بين بقرة بني إسرائيل وأبقار بني البرازيل؟
إذا كان ميت بني سرائيل رجلا غنيا قُتِلَ من أجل ثروته، فإن المغاربة الذين أذلهم الفقر والبطالة، وأنهكتهم الأسعار المسعورة، واغتيلت كرامتهم وهم أحياء، هم أيضا في أصلهم أغنياء لأنهم ينتمون إلى بلد غني بالثروات يكفي لجعلهم في مصاف الدول ذات مؤشر الرفاه والسعادة المرتفعين، غير أن الاستبداد والفساد اغتال روح هذا الشعب ليستفرد بثرواته، تماما كما سعى لذلك قاتل بني إسرائيل.
إننا اليوم أمام مفارقة مضحكة، بالأمس البعيد طلب أهل الميت وسيلة لمعرفة القاتل وقد كانت بقرة بكل مواصفات الجودة الرفيعة، أما اليوم فإن القاتل الذي، – اغتال الشعب في كرامته وبحبوح معيشته،
– ودفع بآلاف المواطنين إلى ركوب قوارب الموت لعقود من الزمن،
– وجعل نسائه تموت تحت الأقدام من أجل كيس من الطحين بمدينة الصويرة،
– ودفع برجاله للموت تحت الأرض بمدينة جرادة بحثا عن لقمة خبز سوداء،
– وزوج بخيرة شباب الريف بأكثر من 300 سنة سجنا لا لشيء إلا لأنهم طالبوا بجامعة ومعمل ومستشفى،
– واعتقل الصحفيين والمدونين والأساتذة الجامعيين والمحامين،
– وشمَّع البيوت، ورسَّبَ الأساتذة، وأعفى الأطر،
– واستنزف خزينة الدولة في مخططات لا تنموية زرقاء وخضراء اختلطت ألوانها فأضحت سوداء تسوء الناظرين
هذا القاتل الذي اغتال كل الأصوات الحرة باستبداده ومعها كل بصيص أمل في هذا البلد، هذا القاتل الذي ضَيَّع الأجيال تلو الأجيال والفرص تلو الفرص، هذا القاتل الذي فتح البلاد للصهاينة كي يعيثوا فيها فسادا باستخباراتهم ومشاريعهم الملعونة التي أخرت مصر والأردن وجعلتهما تتخبطان في مذبحة الفقر، هذا القاتل الذي لا يحدثنا قط عن فوسفاط المغرب، وذهب المغرب، وكوبالط المغرب، وسمك المغرب، وباقي ثروات المغرب….، هذا القاتل هو نفسه من جاءنا بأبقار برازيلية ذلولةٌ أظلافُها كلها عيوب وتشمئز منها الأعين، ليكشف بغبائه عن حجم الفساد الذي وصل إليه، ولتضرب حالة هذه الأبقار العجاف وعي هذا الشعب المغتالة حريته وكرامته فتعود له الحياة كما عادت لرجل بني إسرائيل فيشير هذه المرة إلى القاتل الحقيقي لا إلى أدواته لعل العدالة تسري عليه، أما ثمن الأبقار فقد دفعناه غاليا من كل ثروات الوطن وصناديق الوطن، فمتى نضربها ببعضها فتعود الحياة لأبناء الوطن؟

اترك رد