خطة تسديد التبليغ في المغرب: بين تحديات التطبيق وضوابط التنظيم الديني

بقلم: نعيم بوسلهام

خطة تسديد التبليغ التي تنفذها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في المغرب هي إحدى الآليات الرسمية التي تهدف إلى تنظيم المجال الديني وضبطه، وذلك من خلال توجيه عمل المرشدين والوعاظ بما يتماشى مع السياسات الدينية للدولة.

تركز الخطة على تعزيز الوسطية والاعتدال، وهي قيم مركزية في الإسلام المغربي الذي يلتزم بالمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية. غير أن هذه الخطة تثير نقاشًا بين الفاعلين في الحقل الديني والمجتمع المدني، خصوصًا فيما يتعلق بمدى نجاحها في تلبية احتياجات المجتمع الديني والاجتماعي، وكذلك القيود التي قد تفرضها.

الأهداف الرئيسية لخطة تسديد التبليغ
تهدف هذه الخطة إلى تنظيم العمل الدعوي والإرشادي، سواء في المساجد أو خارجها، من خلال توجيه الوعاظ والمرشدين لتبني خطاب ديني معتدل يتوافق مع التوجه الرسمي للدولة. من بين الأهداف الرئيسية:
1. ضبط الخطاب الديني: توحيد الخطاب الديني لمواجهة التطرف والجماعات التي قد تتبنى أفكارًا متشددة.
2. توجيه الأئمة والوعاظ: تقديم دورات تدريبية للأئمة والوعاظ لضمان التزامهم بالخطاب الديني الرسمي.
3. تعزيز القيم الاجتماعية: نشر قيم المواطنة، التسامح، والتعايش السلمي، بما يتماشى مع التوجهات الاجتماعية والسياسية في المغرب.
4. التوعية الدينية العامة:
5.ضمان وصول التوعية الدينية إلى جميع فئات المجتمع، بما في ذلك المناطق النائية، بهدف تحسين مستوى الفهم الديني وتعزيز الانتماء الروحي.

المؤاخذات والتحديات المرتبطة بالخطة

1.محدودية الاستقلالية الفكرية والدينية
هناك انتقادات من بعض الفقهاء والمثقفين بأن خطة تسديد التبليغ قد تحد من حرية الفكر والاجتهاد الديني. المرشدون والوعاظ مطالبون بالالتزام التام بالخطاب الرسمي الذي تقدمه الوزارة، مما قد يؤدي إلى تقليل التنوع في الآراء الفقهية والشرعية، خصوصًا في المسائل التي تتيح الاجتهاد.

هذا التضييق قد يؤثر على الدينامية الدينية داخل المجتمع، حيث أن التاريخ الديني المغربي شهد دائمًا تنوعًا في الآراء الفقهية والتوجهات الصوفية.

2. التوحيد المفرط للخطاب الديني
يُعد توحيد الخطاب الديني ضروريًا لمواجهة التحديات الأمنية والفكرية التي تطرحها بعض الجماعات المتشددة. غير أن هذا التوحيد، في نظر بعض المنتقدين، يؤدي إلى طمس الخصوصيات الثقافية والدينية للمجتمعات المحلية. فالمغرب بلد ذو تنوع ثقافي ومذهبي، وتوحيد الخطاب الديني قد يؤدي إلى تجاهل بعض القيم أو العادات المحلية التي لها أساس في التراث الديني المغربي.

3. التركيز على الجانب التوعوي الديني دون معالجة الجوانب الاجتماعية
من الانتقادات الأخرى التي تواجه خطة تسديد التبليغ هو تركيزها على التوعية الدينية بشكل رئيسي، في حين أن القضايا الاجتماعية التي تعاني منها العديد من الفئات المجتمعية، مثل البطالة والفقر، لا تحظى بالاهتمام الكافي في الخطاب الديني. بعض النقاد يرون أن المرشدين والوعاظ يجب أن يكونوا قادرين على تقديم حلول واقعية مستوحاة من الدين لمعالجة المشكلات الاجتماعية.

4.كفاءة الموارد البشرية والتكوين المستمر
الموارد البشرية التي تشرف على تنفيذ الخطة من أئمة ومرشدين بحاجة إلى تكوين مستمر لمواكبة التحديات المتجددة. التكوين المتاح حاليًا قد لا يكون كافيًا لضمان قدرة الوعاظ على التعامل مع تعقيدات المشهد الديني والاجتماعي. فالتحديات التي يواجهها المرشدون تتطلب مستوى عالٍ من الفهم ليس فقط للعلوم الشرعية، بل أيضًا للعلوم الاجتماعية والنفسية، وهو ما قد يكون غائبًا عن التكوين التقليدي.

5.التحديات اللوجستية
أحد أكبر التحديات التي تواجه خطة تسديد التبليغ هو الوصول إلى المناطق النائية والريفية التي قد تعاني من نقص في البنية التحتية، مثل المساجد والمدارس الدينية. ضعف التواصل في هذه المناطق قد يحد من فعالية الخطاب الديني ويزيد من انتشار الأفكار الدينية غير الرسمية التي قد لا تتوافق مع التوجه الرسمي. بعض المرشدين يواجهون صعوبات في الوصول إلى هذه المناطق بانتظام، مما قد يؤدي إلى تراجع الوعي الديني والتأطير الروحي في هذه المناطق.

6.التأثير المحتمل للسياسة على الدين
في بعض الأحيان، قد يُنتقد الخطاب الديني الرسمي بتأثره بالسياسة، حيث قد يكون الهدف من توجيه الخطة هو دعم مواقف سياسية معينة أو تعزيز سياسات الحكومة. هذا التداخل بين الدين والسياسة قد يؤدي إلى فقدان بعض الثقة في المؤسسات الدينية الرسمية لدى الجمهور، خصوصًا عندما يشعر المواطنون بأن الدين يُستخدم كأداة لتحقيق أهداف سياسية.

الرهانات المستقبلية
على الرغم من المؤاخذات التي تُثار حول خطة تسديد التبليغ، تظل هناك رهانات كبيرة على هذه الخطة، خاصة في ظل التحديات التي يواجهها المغرب من حيث تصاعد خطاب التطرف الديني وتزايد الفجوة بين الأجيال. يمكن تطوير الخطة من خلال:
– تعزيز التكوين المتخصص: تقديم برامج تدريبية شاملة تركز على القضايا الاجتماعية والثقافية، إلى جانب العلوم الشرعية.
– زيادة الانفتاح على الاجتهاد: السماح بتعدد الآراء والاجتهادات داخل الإطار الشرعي المعتدل، مما قد يُثري الخطاب الديني ويجعله أكثر تفاعلاً مع متغيرات العصر.
-التركيز على الشراكات المجتمعية: التعاون مع المجتمع المدني والفاعلين الاجتماعيين لتوسيع تأثير الخطاب الديني ليشمل القضايا الاجتماعية الملحة.
-تطوير البنية التحتية في المناطق النائية: الاهتمام بالمساجد والمدارس الدينية في المناطق النائية لضمان وصول التوعية الدينية إلى كل الشرائح المجتمعية.

الخاتمة
خطة تسديد التبليغ في المغرب هي أداة مهمة في يد الدولة لضبط المجال الديني، إلا أن فعاليتها تعتمد على قدرتها على التكيف مع الاحتياجات المتغيرة للمجتمع والتحديات المستجدة. إدخال إصلاحات وتعديلات على هذه الخطة قد يسهم في جعلها أكثر انسجامًا مع التوقعات الشعبية والدينية، وفي الوقت ذاته، الحفاظ على الاستقرار الديني والاجتماعي في البلاد.

اترك رد