دي ميستورا زلت قدمه وجنوب إفريقيا ليست لها الصفة
بقلم: لحسن الجيت
هل هي زلة قدم أم انحراف حقيقي عن المسار والاشتغال خارج السياق؟ التريث وعدم التسرع من جانب المغرب هما عنوان هذه المرحلة لتجنب الوقوع في شراك من يتربص بنا. لكنه بالرغم من ذلك فإن الحذر مطلوب والتساؤلات هي عديدة لطرحها في ما يبدو لنا أن الخطوة التي قام بها السيد ستيفان دي ميستورا المبعوث الخاص للأمين العام في ملف الصحراء ما إذا كانت خطوة في الاتجاه المسموح له به أم أن قدمه وقعت على قشرة موز فحدث له ما حدث من انزلاق.
المغرب مطلوب منه الآن أن يستبعد النية المبيتة، وإلى حين، من وراء هذا التحرك الذي قاد المبعوث الأممي إلى زيارة جنوب إفريقيا لخوض نقاش في ملف القضية الوطنية مع طرف ليست له على الإطلاق الصفة وبعيد كل البعد عن جغرافية النزاع المفتعل، سوى أنه طرف متحيز ومعاد للوحدة الترابية للمملكة المغربية .لكن إذا أردف السيد دي ميستورا تحركه بتحرك آخر في نفس الاتجاه فإن المسألة عندئذ يجب أخذها على محمل الجد، كما يجب استبدال البطاقة الصفراء اللازم رفعها الآن في وجهه ببطاقة حمراء في وقت لاحق.
المغرب مطلوب منه كذلك أن يستضيف قريبا استيفان دي ميستورا للوقوف على حقيقة هذا التحرك وأبعاده والاستماع إليه مباشرة عن الأسباب التي حذت به إلى هذا التحرك في اتجاه جنوب إفريقيا. وهل تندرج زيارته تلك في سياق المهام التي أوكلت إليه أصلا كما حددها القرار القاضي بتعيينه وتكليفه بهذا الملف.
المبعوث الأممي بصفة عامة له إطار يتحرك فيه وغير مسموح له بالخروج عنه، كما هو مقيد في نفس الوقت بقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالملف الموكول إليه ومدعو إلى احترامها وتنفيذها بالاشتغال على ضوء ما أوصت به.
أجزم أن المبعوث الخاص السيد دي ميستورا من خلال تلك الخطوة تصرف تصرفا غير مسؤول يعاكس تماما توجهات المنتظم الدولي التي تنحو في اتجاه إنهاء هذا النزاع المفتعل. فعلى ضوء تلك التطورات الواعدة بحلحلة الملف في آخر لفة للوصول إلى خط النهاية، كان من واجب المسؤول الأممي ان يعزز ذلك الاتجاه وأن يساعد في الأمتار الأخيرة على الوصول إلى النهاية بدلا من أن يعطل السير ويعرقل المسيرة.
يبدو أن المبعوث الأممي لم يقرأ القراءة المطلوبة حينما دعي إلى جنوب إفريقيا بصفته مسؤولا عن ملف لا علاقة لبريتوريا به كما سبقت الإشارة. والحال أن دي ميستورا مدعو للتواصل مع الأطراف المعنية وهي محددة ومعروفة في قاموس قرارات مجلس الأمن الدولي. ولم يكن للمغرب أي اعتراض على ذلك حينما شد المبعوث الخاص للأمين العام الرحال إلى إسبانيا لاستمزاج رأيها في ملف الصحراء لأنه كان هناك ما يبرر هذا الاستمزاج على اعتبار أن إسبانيا هي التي كانت مسؤولة على إدارة الإقليم. لكن بالنسبة لجنوب إفريقيا ما علاقتها بالتسوية وما هي الصفة التي تتوفر عليها لكي يسمح بربط الاتصال معها. إنها خطوة في اتجاه التأزيم وخلط الأوراق وليست على الإطلاق في اتجاه الحل.
الظاهر كذلك أن السيد دي ميستورا لم يلتفت إلى التحولات الجارية في منطقة النزاع المفتعل لكي يدرك لماذا دخلت جنوب إفريقيا على الخط. السبب في هذا التحول يعود إلى الورطة غير المسبوقة التي يعيشها النظام الجزائري في المنطقة بأسرها بعد أن انكشفت حقيقة مخططاته في الأزمات التي يقف من ورائها ذلك النظام في دول الساحل بنية تقسيمها وزعزعة استقرارها كما يحدث مع دولة مالي. فمخططه تأكد أنه لم يكن يستهدف المغرب وحده بل إضعاف كل الدول المجاورة للجزائر بما فيها استهداف موريتانيا الشقيقة وتونس الأبية. وحينما استفحلت أزمات هذا النظام على أكثر من واجهة أراد أن يمرر العصا لشريكه في السباق فلم يستنجد سوى بحليف له يتموقع في أقصى نقطة من جنوب القارة الإفريقية.
كما أن هناك معطى آخر أقرب لتفسير نقل هذا الدور إلى جنوب إفريقيا ويتمثل في الرسالة التي حملها السيد “جوشوا هاريس” نائب مساعد وزير الخارجية أنطوني بلينكن إلى القيادة الجزائرية وحثها على دفع السلام الإقليمي وتكثيف العملية السياسية للأمم المتحدة في الصحراء المغربية لتحقيق حل دائم وكريم دون مزيد من التأخير. وفي السياق ذاته قد يكون من غير المستبعد أن تكون زيارة دي ميستورا لجنوب إفريقيا تصب في نفس الاتجاه بدعوة بريتوريا إلى إتاحة المجال بالمساعدة على إشاعة الظروف الملائمة لتسوية هذا الملف. ولذلك وجب التريث إلى حين تبيان مسار هذا التحرك.
إجمالا وبالمختصر المفيد، ما يراد به إدخال جنوب إفريقيا في هذا المسلسل لربما هو أخذ الملف إلى مربعات أخرى كما هو التفاف على الحتمية التي باتت تفرض نفسها في أفق ما هو منتظر من تحقيق مكاسب دبلوماسية للمغرب على مستوى الاتحاد الإفريقي من خلال التطور الذي بات وشيكا والمتمثل في إنهاء عضوية دولة تيندوف دولة مخيمات العار.