على هامش خريطة مكتب نتانياهو
بقلم: أيوب نصر
قبل ثلاث سنوات، وبعد إعلان عن تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، ظهرت بعض الأصوات الغريبة، والتي لم تكتفي بالتطبيل للتطبيع، والذي هو حقها إن أرادت، وإنما راحت ترفع من قيمة الأمر وتعلي شأنه حتى صورته على أن إسرائيل هي الأخ الوفي والصديق الصادق في وداده، حتى يخيل لمن يسمع لأحد هؤلاء أنه يتكلم عن شعبين بينهما من الألفة والمودة والإخاء ما تعجز عن وصفه العبارات وتضيق دونه الألفاظ، ونحن لا نود أن نخوض في سجف الغيب مما تنطوي عليه القلوب ويتستر في النوايا، فنقول أنها كانت حملة موجهة قصد التأثير في الرأي العام المغربي وتوجيهه، ولن نصدر عن هذا الأساس في هذا المقال، وإنما نريد بيان خطل الرأي وفساد المنطق.
ثم جاءت عملية “طوفان الأقصى” ورد عليها الإسرائيليون أبشع رد وأقبحه، من قتل النساء وتشريد الأطفال وتدمير المنازل وسوم الخسف لكل من هنالك، متجاوزين كل القوانين الدولية والأعراف الأخلاقية، ليخرج علينا أولئك بشعار “كلنا إسرائيليون” وتصدى له المغاربة بمظاهرة حجوا إليها من كل حدب صوب.
وبعد هذا وذاك، وخروج المغاربة في مظاهرة داعمة للشعب الفلسطيني، لم يكن أمام دولة إسرائيل إلا أن تظهر الخريطة الموجودة في مكتب رئيس وزرائها، بنيامين نتانياهو، وهي تتضمن خريطة المغرب مبثورة من صحرائه، وذلك بعدما أن سبق لها الإعتراف بمغربية الصحراء.
وهنا يظهر قصر النظر وضعف الباع عند تلك الطائفة التي أرادت رفع التطبيع من درجة القرار السياسي، الذي يدور ويتغير وفق جلب المصلحة ودفع المفسدة، إلى درجة العلاقات الإنسانية القوية والرابطة الأخوية المتينة، وذلك أن إسرائيل لم تعترف بالصحراء المغربية حبا في المغرب أو هياما في سواد عيون شعبه، وإنما فعلت ذلك لوجود مصلحة أو مصالح.
إن الذين أرادوا أن يرفعوا من قدر التطبيع إلى منزلة العلاقات الإنسانية والروابط الثابتة التي يمكن أن تجمع بين شعبين وتوحد أمرهما، أغلبهم، أو قل كلهم، تظل ألسنتهم تتلمض اليوم كله بعبارات تعني في مجملها أن السياسة هي لعبة المصالح، وحسبك هذا الذي تتلمضه ألسنتهم ردا عليهم، وذلك أن قرار التطبيع والاعتراف بمغربية الصحراء، لم يكن حبا وإنما مصالح عارضة وأهداف حاضرة، فإذا تحققت هذه الاهداف وغابت تلكم المصالح أو تعارضت انتهى شهر العسل.
فإظهار تلك الخريطة لم يكن صدفة أو خطأ، وإنما كان رسالة للمغرب دولة وشعبا، وذلك أن مثل هذه الأخطاء لا تحدث، خاصة على مستوى الدولة العليا، والاعتذار عنها بكونها صدرت عن خطأ، هو عذر أقبح من ذنب.