غضب إفريقي عارم بعد تورط جنوب إفريقيا في تمرير اتفاق مع البوليساريو

مرة أخرى، تظهر بعض الجهات داخل القارة الإفريقية وجهها الحقيقي، مدفوعة بأطماع سياسية ضيقة، وساعية إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي من خلال دعم مشاريع انفصالية لا تمت بصلة لمصالح الشعوب الإفريقية ولا لتطلعاتها في الوحدة والتنمية.

وفي هذا السياق، أقدمت جنوب إفريقيا على خطوة مثيرة للجدل حين دفعت الأمانة التنفيذية لمجموعة تنمية إفريقيا الجنوبية (SADC) إلى توقيع ما سمي بـ”بروتوكول اتفاق” مع الكيان الانفصالي المسمى “جبهة البوليساريو”، دون الرجوع إلى الدول الأعضاء أو حتى إعلامها، ما شكل سابقة خطيرة وفضيحة دبلوماسية بكل المقاييس.

تُعد مجموعة SADC تكتلاً إقليميًا يُعنى بتحقيق التنمية الاقتصادية، وتعزيز التعاون السياسي والأمني بين الدول الأعضاء، وهي تضم 16 دولة، من بينها جنوب إفريقيا، زامبيا، موزمبيق، أنغولا، وتنزانيا. وقد تأسست في 1980 تحت مسمى مؤتمر تنسيق تنمية إفريقيا الجنوبية، قبل أن تتحول رسميًا إلى SADC في سنة 1992. وقد ظلّت أهداف المنظمة تتمحور حول التكامل الإقليمي، وتطوير البنى التحتية، وتعزيز السلام والاستقرار.

لكن هذا التوجه الإيجابي بات مهددًا حين تُستغل المنظمة لتصفية حسابات إيديولوجية ضيقة، يتم فيها توظيف هياكلها لخدمة أجندات تمس بوحدة الدول الأعضاء وتهدد استقرار المنطقة بأسرها.

التحرك الأحادي الذي أقدمت عليه الأمانة التنفيذية، بتوقيع اتفاق مع كيان لا يحظى بأي اعتراف دولي معتبر، يُعد انحرافًا خطيرًا عن مبادئ المنظمة، ويدق ناقوس الخطر بشأن استقلالية القرار داخل مؤسساتها. فكيف يعقل أن يتم توقيع اتفاق بهذا الحجم، بينما أكثر من نصف الدول الأعضاء لا تعترف أصلاً بالكيان الانفصالي المعني؟

ردود الأفعال الرافضة جاءت سريعة من عدد من الدول الصديقة للمغرب، مثل إسواتيني، جزر القمر، زامبيا، الكونغو الديمقراطية ومالاوي، حيث عبّرت هذه البلدان عن استيائها من هذا التصرف الأحادي، مؤكدة عبر مذكرات رسمية أن الاتفاق لا يُلزمها ولا يمثلها، بل يشكل خرقًا للسيادة ويضع المنظمة في مواجهة أزمة مصداقية حقيقية.

وتكمن الخطورة في هذا التطور في كونه يكشف نوايا بعض الأنظمة التي تدّعي الدفاع عن القيم الإفريقية، لكنها في الواقع ترعى النزعات الانفصالية وتغذي الصراعات، بدعم مالي جزائري وتوجيه سياسي من جنوب إفريقيا.

جنوب إفريقيا، بهذا السلوك، تؤكد أنها لم تعد طرفًا محايدًا، بل أصبحت فاعلاً معادياً لأي مشروع وحدوي داخل القارة، وهو ما يتعارض كليًا مع روح التعاون والتضامن التي تأسست عليها منظمة SADC.

وكان موقف مالاوي لافتًا، حيث أكدت الحكومة بشكل رسمي أنها لا تعترف بالاتفاق المذكور، وتعتبره لاغيًا وغير ذي أثر قانوني، مشددة على دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل واقعي وذي مصداقية للنزاع الإقليمي حول الصحراء. وهو موقف يعكس نضجًا سياسيًا متقدمًا، ويكرّس استقلالية القرار السيادي في مواجهة محاولات الهيمنة.

إن ما حدث لا يمكن اختزاله في خطأ دبلوماسي، بل هو مؤشر على اختراق خطير داخل مؤسسة إقليمية كان يُفترض أن تكون حامية للوحدة والاستقرار. واستمرار مثل هذه الممارسات يعني فتح الباب أمام فوضى إقليمية تهدد أمن القارة بأكملها.

من هنا، فإن مسؤولية إصلاح هذا الاعوجاج تقع على عاتق باقي الدول الأعضاء داخل مجموعة SADC، من أجل استعادة مسار المنظمة، وصون استقلالية قراراتها، وضمان عدم انحرافها نحو خدمة أجندات مشبوهة تهدد وحدة إفريقيا بدل أن تعززها

اترك رد