لماذا فكرة تقسيم الصحراء غير واردة لدى المغرب والمغاربة؟

بقلم: نعيم بوسلهام

لطالما كانت قضية الصحراء واحدة من أبرز القضايا الوطنية التي تجمع حولها الشعب المغربي بمختلف أطيافه. ورغم مرور أكثر من نصف قرن على هذا الصراع، يظل المغرب ثابتًا في موقفه الرافض لأي مقترحات تتعلق بتقسيم الصحراء. فما هي الأسباب التي تجعل من هذه الفكرة غير قابلة للتداول أو حتى النقاش في الأوساط المغربية؟

1- الحقوق التاريخية والجغرافية: عمق الروابط بين الصحراء والمغرب

من منظور تاريخي، المغرب يعتمد على العديد من الوثائق والمصادر التي تؤكد ارتباطه التاريخي بالصحراء. قبل الاستعمار الإسباني، كانت هناك روابط سياسية ودينية واقتصادية قوية بين المملكة المغربية وسكان الصحراء. هذا الترابط الجغرافي والديمغرافي كان قائمًا على ولاء القبائل الصحراوية للعرش المغربي. وبالتالي، يعتبر المغرب أن الصحراء جزء لا يتجزأ من أراضيه وأن سيادته عليها حق لا يقبل التنازل.

من هذا المنطلق، فإن أي محاولة لتقسيم هذه الأرض تعتبر مساسًا بالوحدة الترابية للمملكة. المغرب يستند في رفضه لتقسيم الصحراء إلى مبدأ السيادة الوطنية، وهو مبدأ يعتبره غير قابل للتفاوض أو التنازل.

2- التضحيات المغربية: نصف قرن من النضال

منذ بداية النزاع حول الصحراء في سبعينيات القرن الماضي، ضحى المغرب بالغالي والنفيس دفاعًا عن وحدته الترابية. على الصعيد العسكري والسياسي، قام المغرب بتعزيز مواقفه سواء على مستوى الأمم المتحدة أو في المحافل الدولية. لكن الأهم من ذلك هو الدعم الشعبي الواسع الذي تحظى به هذه القضية.

القضية الصحراوية ليست مجرد ملف سياسي بالنسبة للمغاربة، بل هي قضية هوية وطنية. آلاف المغاربة جادوا بأرواحهم دفاعًا عن الصحراء، فيما شهدت البلاد مسيرات وطنية كبرى تأكيدًا على التمسك بالوحدة الترابية. هذه التضحيات تجعل من المستحيل على المغاربة تقبل أي طرح يتضمن تقسيم الصحراء، لأنه سيكون بمثابة خيانة للدماء التي سالت من أجلها.

3- البعد الاستراتيجي: الصحراء كركيزة للأمن والاقتصاد

الصحراء المغربية ليست مجرد أراضٍ مترامية الأطراف، بل هي منطقة ذات أهمية استراتيجية كبرى للمغرب، سواء من الناحية الجيوسياسية أو الاقتصادية. المنطقة غنية بالموارد الطبيعية، مثل الفوسفات والطاقة الشمسية والرياح، مما يجعلها رافعة اقتصادية قوية للمملكة في المستقبل.

بالإضافة إلى ذلك، فإن موقع الصحراء على المحيط الأطلسي يمنح المغرب واجهة بحرية استراتيجية تطل على عدة ممرات تجارية. السيطرة على هذه المنطقة تعزز مكانة المغرب كقوة إقليمية في شمال إفريقيا وكمحور بين أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء.

في ظل هذه المعطيات، تقسيم الصحراء من شأنه أن يضعف المغرب استراتيجيًا واقتصاديًا، وهو ما لن تسمح به القيادة المغربية ولا الشعب المغربي.

4- مشروع الحكم الذاتي: الحل الواقعي والمقبول دوليًا

في مواجهة الدعوات الانفصالية، قدم المغرب مقترح الحكم الذاتي كحل واقعي ودائم لهذا النزاع. هذا المقترح يحظى بدعم العديد من الدول الكبرى ويعكس استعداد المغرب لتقديم تنازلات سياسية ضمن إطار الوحدة الترابية. الحكم الذاتي يوفر للصحراويين فرصة إدارة شؤونهم الداخلية تحت سيادة مغربية، وهو ما يضمن استقرار المنطقة وتطورها.

مقابل ذلك، تبقى فكرة تقسيم الصحراء غير منطقية، لأنها ستفتح الباب أمام المزيد من النزاعات والانقسامات في المنطقة، وهو ما سيؤدي إلى زعزعة استقرار شمال إفريقيا برمته.

إن رفض المغرب القاطع لفكرة تقسيم الصحراء يستند إلى مجموعة من العوامل التاريخية، الجغرافية، السياسية، والاستراتيجية. في نظر المغاربة، الصحراء هي جزء لا يتجزأ من الوطن، وأي محاولة للتفاوض حول تقسيمها هي محاولة للمساس بوحدتهم الوطنية. هذا الرفض يستمد قوته من تضحيات الشعب المغربي على مدى عقود، ومن الأهمية الكبرى التي تمثلها الصحراء لمستقبل البلاد الاقتصادي والأمني.

في نهاية المطاف، يبقى الحل الأنسب هو دعم مقترح الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية، وهو الحل الذي يحظى بتأييد دولي متزايد كخيار واقعي ومستدام لإنهاء هذا النزاع المفتعل.

اترك رد