ما أشبه أهل غزة بمؤمني أصحاب الأُخدود!

بقلم: قاسم العلوش

ما يفعله اليوم (نتن ياهو)، رئيس حكومة الكيان الصهيون وجيشه الإرهابي، من إبادة جماعية في حق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة أشبه بما فعله الملك اليهودي (ذي نواس) بأهل نصارى نجران باليمن حين خَدَّ لهم الأَخاديد (الخنادق)في الأرض وملأها نارا وألقى فيها كل عارض أمره وآمن بالله الواحد. والقصة بطولها معروفة في كُتب التفسير، كما رواها الإمام مسلم في صحيحه عن صهيب الرومي، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحت رقم 5327، باب قصة أصحاب الأخدود،والساحر، والراهب، والغلام.

لقد أورد الله تعالى تلك القصة في كتابه الحكيم، وهي من وقائع الماضي (وقعت حوالي القرن الرابع الميلادي)، للعبرة والعظة. ذلك لتُخبرنابأن تَجَبُّرَ الظالم، وطغيانه على المستضعفين من أهل الإيمان، لا يعني فوزه وإنما يستوجب له اللعن عند الله رب العالمين، وهو ما يُستفادُ من قول الله تعالى: (قُتِلَ أصحابُ الأُخدود) [البروج: 4]، أي: لُعِنَ أصحاب الأخدود.

كما أن القصة وردت في سياق تثبيت المؤمنين، من الرعيل الأول، وتصبيرهم على أذى أهل مكة (كفار قريش)، لهم واضطهاده إياهم، وذلك بتذكيرهم بما جرى على من تقدمهم من التعذيب على الإيمان حتى يقتدوا بهم ويصبروا على أذى قومهم، ويعلموا أن كفار مكة عند الله بمنزلة أولئك الذين كانوا في الأمم السالفةيُحرِّقونَ أهل الإيمان بالنار، وأحِقّاءُ بأن يُقالَ فيهم: قُتِلتْ قريشٌ كما(قُتِلَ أصحابُ الأخدود).

إن ما يقع من إبادة جماعية لسكان قطاع غزة، على مرآىومسمع من العالم أجمع الذي تقوده القوى الإمبريالية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، يُذكرنا بحقيقة موت الإنسانية المعاصرة كما ماتت في الماضي في زمن (ذي نواس). كما أن ما يحدث في قطاع غزة من قتل بأحدث الأسلحة المصنعة في مصانع الدول التي تَدَّعي التَّحَضُّرَ، وتدعي أنها رمز للمبادئ والقيم الحضارية، يُظهر لنا المدى السحيق الذي انحدَرَت إليهم نفوس قادة العالم الغربي وكيف أن جميع أقنعتهم قد سقطت. كما أن مساحيق التجميل التي كان يستعملها الغرب للتبشير بقيمه والترويج لها بيننا، نحن باقي شعوب العالم، لسنوات طويلة، وعلى مدى قرنين من الزمن، قد غسلتها دماء الأبرياء من النساء والأطفال وكبار السن الذين تقصِفُهم طائرات، ودبابات، وبواخر حربية، وذخائر بمختلف الأنواع والأحجام كتب عليه (صنع في أمريكا)، أو صنع في (المملكة المتحدة)، أو صنع في (ألمانيا) أو صنع في (فرنسا).

لقد حان الوقت لضمير الإنسانية الحيأن يقول وبصوت مُرتفع:

– (قُتِلت الصهيونية) كما (قُتِل أصحاب الأُخدود)!

– (قُتِلت الإمبريالية) كما (قُتل أصحاب الأُخدود)!

لقد كشفت لنا الحرب التي تقودها الصهيونية العالمية بدعم من الإمبريالية العالمية، ولوبي الأُصولية المسيحية المُتصهينة المسيطر على مفاصل الدولة والسياسة في الولايات المتحدة الأمريكية، لقد كشفت لنا أيضا الوجه الآخر للشعور الإنساني النبيل الذي طفى على السطح في مختلف المجتمعات الحرة، شرقا وغربا، المنتصرة للمبادئ الإنسانية الحقيقة البعيدة عن التنميط، أو الكيل بمكيالين. تلك الشعوب التي صرخت بصوت واحد: أوقفوا الإبادة الجماعية للفلسطينيين التي تتم بأموالنا نحن دافعي الضرائب! كما لم تتردد في وصف المشروع الصهيوني على أرض فلسطين بالمشروع الاستعماري العنصري الذي أتى لخدمة مشاريع الإمبريالية العالمية.

بالمقابل، كشفت لنا الحرب الصهيونية-الإمبريالية على غزة أيضا، حالة الضعف والتشرذم الذي وصل إليها النظام العربي الرسمي، واستسلامه أمام الأطماع التوسعية للكيان الصهيوني في المنطقة كاستسلام المريد أمام شيخ الطريقة. كما كشفت لن الأحداث حجم الاختراقات التي حققها المشروع الصهيوني داخل النخب الرسمية العربية، بل وحتى داخل بعض الجهات المحسوبة على المجتمع السياسي والمدني والإعلامي المحلي في مختلف الأقطار العربية، لترتفع أصوات من هذا الحزب السياسي الفلاني، أو من تلك الجمعية العلانية، أو ذاك المنبر الإعلامي، لتدافع عن الأطروحة الصهيونية المروجة لشيطنة الإنسان الفلسطيني ونزع صفة الإنسانية عنه كمقدمة لتبرير تصفيته وإنهاء وجوده من على أرض فلسطين ومعه إنهاء القضية الفلسطينية.

وبعبارة أخرى، فإنه لم يسبق للإنسانية ومبادئها والقيم النبيلة المشتركة بين مختلف المجتمعات، وعلى رأسها مبدأ الحق في الحياة، أن كانت تحت المحك، ومدى صدق التزام العالم الغربي ومؤسسات الأمم المتحدة بها، كما هي عليه اليوم طيلة عام ونصف من القتل والتدمير والتجويع والإبادة والتهجير الذي يتعرض له الفلسطينيون. كما لم يسبق أن وقع في التاريخ أن اتفقت جميع القوى الكبرى على إبادة شعب وتصفية قضيته كما وقع للشعب الفلسطيني. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن العالم على أبواب تغيير كبير سيحدث لا محالة، كما حدث في زمن (ذي نواس)، ستتغير فيه الخرائط وستنهار فيه دول وتحالفات وستصعد فيه أخرى.

اترك رد