ما الذي لم يوفق “الفاعلون” الإعلاميون في تشاركه فقرروا اقتسامه
بقلم: د. المصطفى كرين
في الوقت الذي يشتكي الجميع من غياب للقاريء وتدني مستوى القراءة ، وبغض النظر عن مدى حقيقة هذه المعطيات ، في جو من التبشير بفتوحات إعلامية غير مسبوقة ، تأسست منذ بضعة أيام هيئة جديدة للناشرين من طرف العديد من الأطر والأسماء المعتبرة في مجال الصحافة والنشر بالمغرب ، والذين كانوا بالأمس فقط ينشطون في إطار فدرالية الناشرين ، ثم ردت هذه الأخيرة أمس بعملية تجديد لمكتبها المسير مبشرة باختراقات إعلامية لا نظير لها .
وحيث أن خطوات كهذه لا يمكن أن تكون عبثية في سياق بنيتنا السياسية والاقتصادية وال”ثقافية” ، فإنه من حق الرأي العام أن يتساءل : ما الذي قد يبرر ويدفع إلى تأسيس إطار جديد في الوقت الذي كان باستطاعة المؤسسين ( وهم أغلبية على ما يبدو ) أن يستأثروا بتسيير الإطار الأصلي ( الفيدرالية ) عبر مؤتمر استثنائي وانتخابات جديدة ؟ وما الذي ضاق عليهم فدفعهم خارج الفيدرالية أو ضاق على هذه الأخيرة فلفظت هذا العدد من منتسبيها ؟ ولماذا في هذه الظرفية بالضبط ؟ ومن الذي فكر وقرر ودبر ونظم وانتقى من هذا الجانب أو ذاك ؟ وما هي القيمة المضافة المنتظرة من هذه الخطوة في إطار مجتمع المعرفة والحق في المعلومة ؟ وما علاقة ذلك ببعض القوانين التي طرحت مؤخرا والهيئات المهنية التي تأسست ؟ وما امتداد ذلك في الأفق السياسي والانتخابي المنظور والمشروع التنموي المفترض المنتظر ؟ وما هي المكاسب المرجوة من هذه الخطوة سياسيًا واقتصاديًا ؟
إن جل المنابر الإعلامية ببلادنا حتى لا نقول كلها وبدون استثناء، ما زالت رهينة للدعم المالي للدولة، سواء كان ذلك الدعم مباشرًا عبر المنحة المالية التي توزعها سنويا وزارة الاتصال وفق معايير لا تسلم من النقد، أو غير مباشر، من خلال توزيع حصص الإشهار التي لا تخضع في توزيعها لأية مراقبة ، وبناءً على ذلك فإنه لا يمكننا تصور التقاطعات والتقاطبات الحالية في المشهد الإعلامي المغربي بعيدًا عن التجاذبات والتأثيرات والتيارات الهوائية واختلاف الرؤى والنظريات داخل دواليب السلطة ، بما يكاد يجعل من كل اتجاه ناطقًا باسم جناح من أجنحة السلطة أو تصورٍ معين لممارسة هذه الأخيرة ويعطي الانطباع بأن الخطوات الأخيرة ليست سوى تجييشاً واستعداداً أو واجهة لمعارك وشيكة ، معارك تتعلق باختلاف أصبح ربما غير قابل للرتق بين تيارين ورؤيتين أو أكثر ، لمغرب الغد القريب، ودليل ذلك في السرعة التي تم بها كل هذا ، أو لربما يتعلق الأمر باقتسام كنز جديد يلوح في الأفق .
كلنا نعلم أنه لا يوجد في العالم إعلام مستقل تماما وغير مصطفٍ سياسيًا وإيديولوجيا واقتصاديًا ، ولا يوجد منبر حامل في حد ذاته لمشروع مجتمعي، ديمقراطي أو غير ديمقراطي ، بقدر ما يكون ناطقا باسم مشروع لا تظهر جذوره العميقة ومراميه البعيدة إلا الراسخين في العلم .
طبعاً نحن لا نتكلم هنا عن الإعلام العمومي الذي قامت الحكومة في سياق فهمها المتخلف للتواصل بتحويله إلى إعلام حكومي ، هو أقرب إلى منطق “البرافدا” (جريدة الحزب الشيوعي السوفياتي والتي تعني ” الحقيقة” باللغة الروسية ، وذلك لتبرير وتبييض حالة التيه التي تعيشها