بقلم: نعيم بوسلهام
في ظل الخطاب الملكي السامي الأخير، الذي دعا إلى إعادة هيكلة مجلس الجالية المغربية بالخارج، وخلق مؤسسة جديدة تُعنى بشؤون الجالية أطلق عليها جلالته اسم “المؤسسة المحمدية للجالية المغربية بالخارج”، يتزايد الحديث عن أهمية إعادة النظر في الجهود المبذولة من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لدعم الجالية. فالوضع الحالي بات يفرض تحديات جديدة، تجعل من الضروري الابتعاد عن تكرار التجربة القائمة كل سنة، وتجنب إهدار الجهود والإمكانات المالية دون تحقيق المردودية المتوقعة.
لا شك أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بذلت جهوداً مشكورة لدعم الجالية المغربية بالخارج، خاصة في دول مثل فرنسا، حيث قدمت دعماً مالياً كبيراً لبناء المساجد وتوفير أجور الأئمة والقائمين على الشؤون الدينية. هذا الجهد، الذي يعكس حرص الوزارة على رعاية الجالية في المهجر، يبقى موضع تقدير، ويسهم في توفير فضاءات دينية لمغاربة العالم، تتيح لهم ممارسة شعائرهم الدينية بكل أمان وطمأنينة.
إلا أن هذا الدعم المالي الكبير يحتاج اليوم إلى جهد تكميلي آخر، يتمثل في تحسين الجانب النوعي لمستوى الأئمة والخطباء الذين يتم إرسالهم إلى أوروبا للقيام بمهام الوعظ والإرشاد. فالكفاءة العلمية، والقدرة على التكيف مع متطلبات المجتمعات الغربية، وتقديم خطاب ديني يواكب العصر ويعزز قيم التسامح والتعايش هي عوامل لا تقل أهمية عن الدعم المالي الموجه للبنية التحتية للمساجد.
وفي ظل هذه التحديات، يرى بعض الخبراء في الحقل الديني المغربي ضرورة تغيير النهج الحالي المتبع في إرسال الأئمة من المغرب إلى الدول الأوروبية. ويقترح هؤلاء الخبراء استراتيجية جديدة تتمثل في استقدام أبناء الجالية المغربية أنفسهم إلى الجامعات والمعاهد الدينية المغربية، لتلقي تكوين أكاديمي وديني شامل. ثم، بعد إعدادهم وتطوير مهاراتهم الفكرية والدينية، يتم إعادة إرسالهم إلى الدول الأوروبية لتولي مهام الإرشاد والتسيير الديني في المراكز الإسلامية هناك.
وتكمن أهمية هذا التوجه في قدرة أبناء الجالية على فهم ثقافة المجتمعات الغربية التي نشأوا فيها، مما يمنحهم قدرة أكبر على التواصل مع الشباب المغاربة في الخارج وفهم احتياجاتهم ومخاوفهم. إذ إن إماماً نشأ وتلقى تعليمه في المجتمع الأوروبي سيكون أكثر قدرة على توصيل رسالة الإسلام المعتدل بقيمه الإنسانية السامية، بشكل يضمن انسجامها مع قيم المجتمع الأوروبي، ويساهم في تعزيز التعايش واحترام التنوع الثقافي والديني.
إن الدعوة إلى إعادة تقييم جهود وزارة الأوقاف اتجاه الجالية لا تعني التقليل من أهمية الدعم المالي الذي قدمته وتقدمه الوزارة، بل هي دعوة إلى تعزيز هذا الدعم وتوجيهه بطرق أكثر استدامة وفعالية. فالتمويل يجب أن يكون جزءاً من رؤية شاملة تتضمن إلى جانبه تأهيل الكوادر الدينية بما يتماشى مع الواقع المعاش للجالية المغربية في الخارج.
وقد أكد الخطاب الملكي الأخير على أهمية بناء مؤسسات تتماشى مع متطلبات العصر وتلبي احتياجات الجالية المتزايدة، ما يعني أن التغيير لن يكون مقتصراً على الهيكلة الإدارية فقط، بل يجب أن يمتد إلى طريقة وأسلوب العمل بما يعكس نهجاً جديداً وفعّالاً يخدم الجالية المغربية بشكل يلبي طموحاتها وتطلعاتها.
يُعدّ هذا التوجه الجديد نحو بناء قاعدة دينية متينة في المهجر خطوة محورية نحو تعزيز دور الجالية المغربية في الحفاظ على هويتها، والمساهمة الإيجابية في مجتمعاتها.