بقلم: عبدالعزيز ملوك
اوائل القرن الماضي انتشر في قرية نائية معزولة عن العالم بجبال الانديز في بريطانيا مرض غير معروف انذاك فأصاب المرض كل سكان القرية بالعمى…
ومنذ تلك اللحظة، انقطعت صلة سكان هذه القرية بالخارج ولم يغادروا قريتهم قط بسبب المرض إلى أن تكيفوا مع العمى وأنجبوا أبناء عُميانا جيلا بعد جيل حتى أصبح كل سكان القرية من العميان ولم يكن بينهم مبصر واحد…
وذات يوم من العام 1904 وبينما كان متسلق الجبال (نيونز) يمارس هوايته انزلقت قدمه فسقط من أعلى القمة إلى القرية ولم يُصب الرجل بأذى، إذ سقط على عروش أشجار القرية الثلجية وأول ملاحظة له كانت أن بيوت القرية بدون نوافذ وجدرانها مطلية بألوان صارخة وبطريقة فوضوية…
فحدث نفسه قائلاً: لا بُد أن الذي بنى هذه البيوت شخص أعمى…
وعندما توغل إلى وسط القرية بدأ في مناداة الناس،فلاحظ أنهم يمرون بالقرب منه ولا أحد يلتفت إليه وهنا عرف أنه في (بلد العُميان)…
فذهب إلى مجموعة وبدأ يعرف بنفسه؟ من هو؟ وماهي الظروف التي أوصلته إلى قريتهم..
وكيف أن الناس في بلده (يبصرون)..
وما أن نطق بهذه الكلمة، أحس بخطر المشكلة وانهالت عليه الأسئلة: ما معنى “يبصرون” في موطن العميان؟ وكيف؟ وبأي طريقة يبصر الناس؟ سخر القوم منه وبدأوا يقهقهون…
بل ووصلوا إلى أبعد من ذلك حين اتهموه بالجنون وقرر بعضهم إزالة عيون (نيونز) التي اعتبرها العميان مصدر هذيانه وجنونه..
لم ينجح بطل القصة (نيونز) في شرح معنى البصر، وكيف يفهم من لا يبصر معنى البصر؟ فهرب قبل أن يقتلعوا عينيه وهو يتسائل كيف يصبح العمى صحيحاً بينما البصر مرضاً؟!..
“بلد العميان” هو كل مجتمع يسوده الجهل والفوضى والفساد والتخلف والفقر والعنف والتعصب… بسبب افكار غير صحيحة وغير صالحة ومُهيمنة عليه… وأي دعوة لتنويرية تواجه برفض وريبة وعنف.
بلد العميان هو ذلك المجتمع الذي يوجد فيه أفراد جل همهم ماذا يأخذون منه وليس ماذا يقدمون له.
بلد العميان الحقيقي هو ذلك الموطن الذي يقول في الناس: راسي يا راسي وكلها ويقول اراسي”…
“وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل والحرور وما يستوي الاحياء ولا الأموات ان الله يسمع من يشاء”
صدق الله العظيم.
عيشي يا بلادي الغالية يا حبي لكبير.