بقلم: عبدالكبير بلفساحي
في مشهد متزايد التعقيد، يبدو أن الشباب المغربي يفضلون الهروب من قفص الزواج الذهبي، في وقت تصاعدت أرقام العنوسة إلى مستويات غير مسبوقة، ونسبة الطلاق أصبحت مهولة مثيرة بذلك مخاوف حول مستقبل مؤسسة الزواج في المجتمع، والعوامل الاقتصادية والثقافية والاجتماعية تتداخل بشكل كبير لتشكيل هذه الظاهرة، التي لم تعد مجرد مسألة شخصية، بل تحولت إلى أزمة مجتمعية تستدعي وقفة جادة.
الأرقام تدق ناقوس الخطر لأن الإحصائيات تشير إلى ارتفاع نسب العنوسة في المغرب بشكل ملحوظ، حيث تجاوزت النسبة 35% في بعض المناطق، هذه الأرقام تكشف عن واقع مرير يعيشه الشباب الذين يجدون أنفسهم محاصرين بين غلاء المعيشة وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وبين متطلبات الزواج التي باتت أشبه بمغامرة غير محسوبة العواقب، فتكاليف المهر، وإقامة حفلات الزواج، وتأثيث البيت أصبحت من الكماليات التي لا يمكن لشريحة واسعة من الشباب تحقيقها، لأن الحالة الاقتصادية للفرد أصبحت تخنق الأحلام.
ومن خلال نظرة شاملة وتحليلية، نجد العامل الاقتصادي يأتي في مقدمة الأسباب التي تدفع الشباب إلى العزوف عن الزواج، مع الارتفاع الجنونيفي أسعار المواد الأساسية، والإيجارات التي لا تتناسب مع دخل الشباب،أصبح من الصعب جدًا تأسيس حياة زوجية مستقرة، فالشباب الذين يعانون من البطالة أو الذين يعيشون تحت وطأة الأجور الهزيلة، يواجهون عائقا هائلا أمام تحقيق هذا “الحلم“، لأن الزواج في المغرب لم يعد خيارا سهلا كما كان في السابق، بل تحول إلى عبء اقتصادي يستدعي التفكير ألف مرة قبل اتخاذ القرار.
وإلى جانب الضغوط الاقتصادية، فإن التغيرات الثقافية والاجتماعية تلعبدورا حاسما في هذه الظاهرة، لأن العديد من الشباب، وخاصة في المدن الكبرى، أصبحوا أكثر ميولا لتأجيل الزواج أو حتى رفضه لصالح مشاريع حياتية أخرى، فهناك التعليم، السفر، بناء مسار مهني مستقل، وحتى تحقيق الاستقلال المالي، باتت أهدافا تتقدم على فكرة الزواج التقليدي ،لأنفكرة العائلة الكبيرة لم تعد جذابة كما كانت سابقا، والشباب باتوا يفضلونالاستمتاع بالحرية وتجنب الالتزامات العائلية الثقيلة.
وانطلاقا من مجتمع على شفا التحول نجد تابعات لهذا العزوف، لكن ماهي العواقب التي قد يواجهها المجتمع المغربي في ظل هذه الظاهرة المتزايدة؟ فبعض الخبراء يحذرون من أن استمرار العزوف عن الزواج قديؤدي إلى تغيرات جذرية في بنية المجتمع، العنوسة قد تؤدي إلى تفاقمظاهرة الفردانية، وزيادة في حالات الوحدة والانفصال الاجتماعي، في نفسالوقت، هناك غياب الزواج التقليدي والذي قد يضعف من القيم العائلية التيكانت تشكل لبنة أساسية في المجتمع المغربي، ما قد يفتح الباب أمامأزمات اجتماعية جديدة تتعلق بالهوية والانتماء.
هل هناك مخرج؟ الحلول الغائبة في ظل هذه الأزمة المتفاقمة، يتساءل الكثيرون، أين هو دور الحكومة في تقديم حلول؟ برامج الدعم للشباب التيتم الإعلان عنها مرارا وتكرارا، تبدو غير فعالة على أرض الواقع، فتوفير فرص العمل وتحسين الظروف الاقتصادية قد تكون بداية لحل المشكلة، ولكنذلك ليس كافيًا، هناك حاجة ماسة لإعادة النظر في المنظومة التعليميةوالمهنية بحيث تتيح للشباب فرصا حقيقية لبناء مستقبلهم، دون أن يكونالزواج عبئا يثقل كاهلهم.
كل ذلك يجعلنا نطرح سؤال هل يعيد الشباب النظرفي ظل هذه المعطيات،يبدو أن الشباب المغربي سيظل يواجه تحديات كبيرة في مسألة الزواج، ومع ذلك، يبقى السؤال الأكبر: هل نحن أمام أزمة عابرة ستتلاشى مع الوقت؟ أم أن هذا العزوف يشير إلى بداية انهيار لمؤسسة الزواج التقليدية كما نعرفها؟