بقلم: د. رشيد باعلي
في مجال الأدب الرقمي، تُوج حقل الإنسانيات الرقمية في العالم العربي، بصدور مؤلف جديد، موسوم بـ”النص الرقمي أصول المفهوم والتجليات الأدبية” للكاتب والباحث المغربي، الدكتور إبراهيم عمري (أستاذ التعليم العالي بجامعة سيدي محمد بن عبدالله – الكلية المتعددة التخصصات في مدينة تازة -)، وقد صدر مؤخرا عن دار “الموسوعة للطباعة والنشر والتوزيع” في 274 صفحة من القطع المتوسط، وغلافه زين بلوحة الفنان التشكيلي المغربي “عزيز أزغاي”.
هذا العمل الأدبي، جاء لإغناء بيبليوغرافيا حقل الدراسات الأدبية الرقمية، وتمكين القارئ العربي من استيعاب ظاهرة الأدب الرقمي، مما يسهل عملية الإحاطة بجملة من الحقائق، وعلى رأسها كل ما يتعلق بمفهوم الأدب الرقمي الذي بات يجد لنفسه موقعا داخل نظرية الأدب، وما رافقه من تطورات متلاحقة تتقاطع بالأساس مع حقول معرفية متعددة، وهذا ما يسمح لمتتبع هذا الأدب الحديد الوقوف عندتجلياته الأدبية في ضروب الإبداع الأدبي. وحتى تتضح لنا أبعاد ومرامي هذا المؤلف، قال الدكتور إبراهيم عمري في مقدمة كتابه: “إن أقصى ما نسعى إليه بهذا العمل هو تقريب المفهوم (أي النص الرقمي) إلى القارئ العربي بأقل خسائر ممكنة، سواء في صوره النظرية البدائية أم في تطوراته المعقدة اللاحقة أم في تجلياته الأدبية بعد ذلك. وقد بدا لنا أن العودة إلى أصوله الأولى من جهة، واعتماد بعض تحديداته المتقدمة نسبياً دون إغفال غيرها من جهة ثانية، هما أنسب طريق لبلوغ تلك الغاية. فأجواء نشأته وما صاحبها من تمثلات حوله، وما تلاها بُعَيد ذلك من محاولات لفهمه وحصر دلالته، توازي في واقع الأمر المرحلة التاريخية التي نعيشها في عالمنا العربي. ولذلك نزعم أن التصدي للمفاهيم، بتضافر جهود كل المهتمين بالمجال، هو البداية الحقيقية لامتلاك المعرفة الرقمية وولوج عوالمها وممارساتها وتنزيلها في مظاهر حياتنا المعاصرة”.
وعلى كل حال، فهذا المؤلف في الحقيقة هو حصيلة الجهود المتراكمة التي بذلها الدكتور إبراهيم عمري، والتي تروم البحث في حفريات الأفكار العلمية التي سبقت تاريخ النص الرقمي، والنبش في أعماق التجاذبات الجنينية لتصورات المعلوماتيين والأدباء التي كانت تحاول إيجاد طريقة جديدة للتفكير وللكتابة معا.
وهذا لم يأت صدفة، بقدر ما تجلت معالمه العظمى، من خلال تطويع المتخيل التكنولوجي المتعدد الإمكانات، قصد خدمة المتخيل الأدبي بمختلف صيغه التعبيرية. وهذا ما جعل الكاتب يعمق البحث في الأسس المعرفية التي أسهمت في بناء الملامح الأولى للنص الرقمي بداية، ثم تتبع تطوره التاريخي بما حمله المكون التكنولوجي من إبدالات معرفية أثرت عمليا في حقل العلوم الإنسانية، وهذا كله دفع الكاتب إبراهيم عمري ليتخذ من هذا الإبدال المعرفي مدارا لاستقصاء تجليات النص الرقمي الأدبية على مستوى الإبداع الرقمي، دون أن يغفل التركيزعلى مظاهر الكتابة الرقمية تحديدا والأدب الرقمي عموما.