بقلم: نعيم بوسلهام
أعلن الملك محمد السادس عن توجيهاته لإعادة هيكلة المؤسسات المعنية بشؤون المغاربة المقيمين في الخارج، بما يهدف إلى تعزيز فعالية هذه المؤسسات وضمان عدم تداخل الاختصاصات وتشتت الجهود. ويعد مجلس الجالية المغربية بالخارج إحدى هذه المؤسسات التي، رغم دورها الأساسي كمؤسسة دستورية، تواجه اليوم انتقادات لعدم قدرتها على تلبية تطلعات الجالية أو مواكبة تحدياتها المتجددة. هذا المقال يحاول تحليل أبعاد هذه التوجيهات وأسبابها، ويطرح تساؤلاً حول ما إذا كان المجلس قد افتقر إلى الكفاءات المطلوبة لتحقيق أهدافه.
تأسس مجلس الجالية المغربية بالخارج ليكون جسراً يربط المغاربة المقيمين بالخارج بوطنهم الأم، ويعبر عن همومهم واحتياجاتهم، ويعمل على تقديم حلول شاملة لتحدياتهم المتزايدة. غير أن أداء المجلس في السنوات الماضية لم يكن بالمستوى المطلوب، وفقاً لآراء عديدة، وسط انتقادات تتعلق بضعف التواصل مع الجالية، وغياب الشفافية في عمله، وعدم التفاعل الكافي مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها المغاربة في الخارج.
ويرى بعض المراقبين أن أحد أبرز العوامل التي أثرت على أداء مجلس الجالية هو نقص الكفاءات المتخصصة، سواء في إدارة شؤون الهجرة أو في تحليل احتياجات الجالية المغربية المتنوعة. فعلى الرغم من جهود رئيس المجلس إدريس الأزمي والأمين العام عبد الله بوصوف، يبقى هناك تساؤل حول ما إذا كان المجلس يضم الخبرات الكافية لمواكبة التحولات التي طرأت على أوضاع الجالية.
1- ضعف التخصص والخبرة: مجلس الجالية يحتاج إلى كفاءات متنوعة ذات معرفة عميقة بقضايا الهجرة، والاندماج الاجتماعي، وحقوق الجاليات، وغيرها من المجالات الأساسية. يُعتبر غياب هذا التنوع في الكفاءات من الأسباب التي أدت إلى قصور المجلس في معالجة بعض الملفات الجوهرية.
2- تحدي الأجيال الصاعدة: التغيير في تركيبة الجالية المغربية بالخارج فرض ضرورة التعامل مع أجيال جديدة، لديها احتياجات وتطلعات تختلف عن الأجيال السابقة. افتقار المجلس لتمثيل الشباب المغربي المقيم بالخارج ربما قلل من قدرته على فهم هذه الفئة المهمة والاستجابة لها.
3- نقص الابتكار والمرونة: لم يتمكن المجلس من وضع سياسات مرنة ومبتكرة تستجيب للتغيرات السريعة التي يشهدها العالم، خاصة مع تزايد تحديات الاندماج وحقوق المغاربة في مجتمعاتهم المضيفة.
4- غياب التنسيق مع المؤسسات الأخرى: كان من المتوقع أن يسهم مجلس الجالية في توحيد جهود المؤسسات المختلفة التي تعنى بشؤون الجالية، غير أن ضعف التنسيق جعل تداخل الأدوار شائعاً، وأدى إلى تشتت الفاعلين وعدم انسجام المبادرات.
وتأتي دعوة الملك لإعادة هيكلة المؤسسات المعنية بالجالية كتأكيد على ضرورة إصلاح هذه المنظومة بشكل جذري، وتحسين فعاليتها، لتتمكن من خدمة المغاربة بالخارج بشكل أفضل. إعادة الهيكلة لن تقتصر على تحديد أدوار ومسؤوليات واضحة فقط، بل قد تشمل أيضاً الاستعانة بكفاءات وخبرات جديدة، وتنظيم برامج تدريبية، وتعزيز التنسيق مع مختلف القطاعات والمؤسسات الوطنية والدولية.
لضمان تلبية تطلعات الجالية المغربية بالخارج، تبدو الحاجة ماسة إلى تحقيق إصلاحات عميقة تشمل:
1- جلب كفاءات متخصصة: إدماج كفاءات ذات خبرة في قضايا الجالية، سواء من أبناء الجالية أو من داخل الوطن، قد يكون خطوة محورية نحو تطوير سياسات عملية وفعّالة.
2- توسيع قاعدة التمثيل: من الضروري إشراك ممثلين من مختلف الفئات العمرية والمهنية في المجلس، خاصة من الشباب، لضمان وصول رؤية شاملة عن احتياجات المغاربة بالخارج.
3- تعزيز الشفافية والتواصل: من شأن تحسين آليات التواصل مع الجالية وتقديم تقارير دورية حول أنشطة المجلس أن يعزز الثقة في عمله ويقربه من الجالية.
4- استلهام التجارب الدولية: من المفيد دراسة نماذج المؤسسات المماثلة في دول أخرى، واستلهام أفضل الممارسات لتطوير مجلس الجالية بشكل يلبي احتياجات المغاربة بالخارج في عالم سريع التغير.
إن إصلاح مجلس الجالية المغربية بالخارج ضرورة أساسية لجعل هذه المؤسسة قادرة على تحقيق أهدافها بشكل أفضل وأكثر فعالية. فمع التوجيهات الملكية لإعادة هيكلة المؤسسات المعنية بشؤون الجالية، تتجدد الآمال في أن يستفيد المجلس من هذه الفرصة للتطوير، ويصبح مؤسسةً قادرة على دعم المغاربة بالخارج وتحقيق طموحاتهم، ويعزز روابطهم بوطنهم الأم.
المرحلة المقبلة تتطلب من المجلس مزيداً من الانفتاح على الكفاءات والتخصصات المختلفة، والاستفادة من التجارب الناجحة في العالم، لتحسين أداء مؤسسات الدولة ومواكبة التحولات الكبرى التي يشهدها مجتمعنا.