المغرب/ موريتانيا.. مبادرة أطلسية وتكامل اقتصادي يمهدان الطريق لاعتراف موريتاني بمغربية الصحراء…

بقلم: عبدالعزيز ملوك

مما لا شك فيه أن الزيارة الخاصة التي قام بها الرئيس الموريتاني سيدي محمد ولد الشيخ الغزواني إلى المغرب واستقباله من طرف جلالة الملك محمد السادس، والتي حظيت باهتمام كبير من السياسيين والمحللين الاقتصاديين على اعتبار ما تم خلالها من اتفاق بانضمام موريتانيا إلى المبادرة الأطلسية وانخراطها في مشروع أنبوب الغاز نيجيريا المغرب، يمهد إلى اعتراف رسمي موريتاني بمغربية الصحراء.

فبعد لقاء الدار البيضاء مباشرة، ستلتقي قيادة البلدين الجارين بأبو ظبي في ضيافة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو اللقاء الذي حظي بتغطية إعلامية مهمة، شرق اوسطيا وعربيا، وقفت فيه الصحافة الخليجية عند هذا المنعطف الجديد في العلاقات بين الرباط ونواكشوط، خاصة في ظل الحياد الحالي الذي تلتزم به الجارة الجنوبية في موضوع ملف الصحراء المغربية، الشيء الذي تم تفسيره من قبل المراقبين أنه يصب في اتجاه صفحة جديدة للعلاقات التجارية والمشاريع الاستراتيجية بين البلدين ومفتاحا لخروج موريتانيا من الدائرة الرمادية إلى دائرة الضوء والوضوح والانسجام في موقفها مع مواقف الدول المؤيدة لمغربية الصحراء، خصوصا وأن التكامل الاقتصادي يشكل عاملا أساسيا في تعزيز العلاقات بين الدول والشعوب بما أن المغرب نجح في تحقيق مكاسب ديبلوماسية كبيرة توجت بتحقيق شراكات اقتصادية متنوعة جعلت من المغرب شريكا استراتيجيا لإفريقيا وداعما أساسيا لموريتانيا في مسيرتها التنموية المنشودة التي فرضت عليها الإتجاه إلى تعزيز شراكاتها الاقتصادية مع المغرب، بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، من خلال المبادرة الأطلسية ومشروع استثماري كبير تحدثت عنه وسائل الإعلام المواكبة لزيارة العاهل المغربي الملك محمد السادس وفخامة الرئيس الموريتاني سيدي محمد ولد الغزواني لدولة الإمارات العربية المتحدة.

ففي إطار سياسة جنوب-جنوب التي نهجتها بلادنا منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس عرش اسلافه الميامين تكون المبادرة الأطلسية فرصة كبيرة لتقوية العلاقات المغربية الموريتانية اعتبارا لأن هذا المشروع يروم تثبيت دعائم الاستقرار بالمنطقة ومساعدة دول الساحل إلى الولوج إلى المحيط الأطلسي الذي يعد باقتصاد جديد إسمه “الاقتصاد الازرق” أو اقتصاد المحيطات، خصوصا أن هذه المبادرة تندرج ضمن استراتيجية المغرب لنقل الغاز النيجيري إلى أوروبا عبر خط أنابيب آمن يمر عبر 11 دولة ضمنها موريتانيا الشقيقة.

صحيح ان العلاقات المغربية الموريتانية طبعتها حالة من الشد والجذب منذ استقلال البلدين،لكن محاولة خلق كيان وهمي من طرف الجزائر للفصل والعزل بين البلدين الشقيقين تضررت منها موريتانيا بقدر ما تضرر منها المغرب، كيف لا وهي التي عانت من عدم الاستقرار السياسي سنوات طويلة بفعل تعاقب عدة رؤساء عن طريق انقلابات، ثبت بما لا يدع للشك ان اغلبها تم حبكه وطبخه بمطبخ المخابرات الجزائرية، على أن تبقى الفترة التي عرفت نوعا من الدفء بين البلدين الشقيقين هي فترة حكم الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع الممتدة من العام 1984 الى العام 2005 رغم ما يقال أنه عارض خلالها أي تسوية محتملة لنزاع الصحراء خشية تداعيات مفترضة على استقرار بلاده وأمنها حسب وثائق أمريكيا “سرية” للسفارة الأمريكية بنواكشوط.

العلاقات الثنائية بين المغرب وموريتانيا ستشهد انفراج خلال تأسيس اتحاد المغرب العربي، الذي تم بالفعل بعقد قمة مراكش التي دعا إليها الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه والإعلان عن تأسيسه رسميا سنة 1989، في حضور الرؤساء زين العابدين بن علي والعقيد معمر القذافي والشاذلي بن جديد ، لكن تحرشات الجزائر بهذا البلد المسالم استمرت إلى غاية العام 2020 من خلال تحرير القوات المسلحة الملكية المغربية للمعبر الحدودي بين البلدين “الكركرات” من سيطرة مليشيات البوليسيارو المدعومة من طرف الجيش الجزائري، تلاها اعتراف أمريكي صريح بمغربية الصحراء، توالت وتواترت معه بعد ذلك اعترافات دول وازنة على الصعيد الإقليمي والدولي منها إسبانيا وفرنسا، والكثير من دول جنوب أمريكا اللاتينية وعدة دول افريقية آخرها وليس آخرها دولة غانا التي صارت منذ ايام “معنا”.

حقيقة، أن ما حققته بلادنا من انتصارات سياسية ودبلوماسية،يعود فضله للسياسة الرشيدة التي نهجها جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده ولعبقريته المتفردة وهو الذي أولى اهتماما كبيرا بتوحيد دول القارة الإفريقية وبمستقبل شعوبها من خلال نسج علاقات دبلوماسية واقتصادية وتجارية ناجحة مع العديد منها، تم تتويجها بحوالي 40 من الزيارات الملكية تم التوقيع من خلالها على ما يفوق من 1200 من الاتفاقيات في جميع الميادين والمجالات مع ضخ استثمارات والدخول في شراكات، وسن وتقنين اقامة جالية بلدان القارة الإفريقية في المملكة إلى أن اصبحت هته الجالية تساهم في الاقتصاد المغربي من خلال تيسير احتضانها وادماجها في سوق الشغل والمجتمع المغربي…

غير أن العقبة والتحدي الكبير الذي واجهه البلدان/ المغرب وموريتانيا هو تدبير ملف المعبر الحدودي “الكركرات”، الذي كان ولا يزل يشكل أحد الاطماع الرئيسية للنظام الجزائري ولذلك وبالتالي، فإن الإستراتيجية التي تبنتها بلادنا لتدبير ملف هذآ المركز المحوري الحدودي، لا تخدم مصالح المملكة المغربية وحدها، وإنما تخدم أيضا مصالح الجارة موريتانيا بالإضافة الى بلدان الجوار الشيء الذي يبدوا أن موريتانيا، تنبهت وانتبهت اليه أخيرا لأهمية المشاريع الكبرى التي تساهم في تنمية القارة الإفريقية بأكملها وليس المغرب أو موريتانيا وحدهما.

وحدها الجزائر مستمرة في تكرار أسطواناتها المشروخة، المتعلقة “بالجزائر لا تغير مواقفها” المتمثلة في دعم ميليشيات البوليساريو، واستمرارها في عرقلة جهود مملكة تنشد إخراج إفريقيا من التبعية السياسية والاقتصادية بمفهوم الاقتصاد أولا والشرعية الانتخابية ومساعدة دولها على تطوير تجارتها وتبادل تجاربها للرقي باقتصادياتها ثانيا عبر ولوج بلدانها إلى المحيط الأطلسي بميناء مدينة الداخلة العالمي.

هكذا إذن، فطنت القيادة الموريتانية تحت قيادة فخامة الرئيس سيدي محمد ولد الغزواني إلى أهمية وضع سياسة الأوهام الجزائرية في سلة المهملات والتفكير ايجابيا في مصلحة شعب موريتانيا المسلم المسالم، والانخراط في تنمية البلاد اقتصاديا عبر مشاريع عملاقة تنفع الناس وتمكث في الارض انسجاما وتماهيا مع نظام عالمي جديد يبسط خرائطه ويسطر جغرافيته بناء على التجارة والاقتصاد ومصالح وقوت الشعوب وبالتالي فإن الإعتراف الموريتاني بمغربية الصحراء مسألة وقت فقط لتنتهي بذلك عقود الجمود في العلاقات بين البلدين الشقيقين بعيدا عن الضغط والوهم الجزائري.

تعليقات (0)
اضافة تعليق