بقلم: نعيم بوسلهام
مع تزايد الحديث عن مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد في سوريا، برز ملف المقاتلين المغاربة الذين شاركوا في الصراع المسلح كواحد من التحديات الملحة التي تواجه السلطات المغربية. هؤلاء المقاتلون، الذين رفضت السلطات المغربية عودتهم لأزيد من عقد من الزمن ووصفتهم بـ”الإرهابيين والمارقين”، أصبحوا اليوم جزءاً من المشهد السياسي والعسكري في سوريا، خصوصاً ضمن صفوف هيئة تحرير الشام التي تلعب دوراً رئيسياً في المعارضة السورية.
لقد اعتمدت الدولة المغربية خلال العقد الماضي سياسة صارمة تجاه المقاتلين المغاربة في بؤر التوتر، ومن يقرر منهم العودة إلى المغرب فإن مصيره السجن وبعدد طويلة، متجنبة أي مقاربة تصالحية معهم. وقد شملت هذه السياسة:
1- رفض إعادة المقاتلين:
حظر المغرب عودة المغاربة الذين قاتلوا في سوريا والعراق معتمدا المقاربة الأمنية لاغير، خوفاً من أن يشكلوا خطراً أمنياً على استقرار البلاد.
2- التلكؤ في إعادة النساء والأطفال:
حتى النساء والأطفال الذين لم يشاركوا مباشرة في القتال لم يُستثنوا من هذا الرفض، حيث ظلوا عالقين في مخيمات سوريا يكابدون ظروف الحياة القاسية وفي تركيا ظل النازحون والهاربون من ويلات الحرب في سوريا يتسكعون هناك دون أن يلتفت لهم أحد أما في العراق فلازال هناك مغاربة معتقلين وعالقين في ظروف إنسانية صعبة.
3- غياب الحوار أو الحلول البديلة:
افتقرت السياسة المغربية إلى مقاربة شمولية تتجاوز البعد الأمني، ما أدى إلى قطيعة شبه كاملة مع هؤلاء المقاتلين وعائلاتهم.
بيد أنه مع نجاح المعارضة السورية، بقيادة هيئة تحرير الشام، في السيطرة على مناطق واسعة في سوريا إلى أن تمكنوا من الوصول العاصمة دمشق، وجد المقاتلون المغاربة أنفسهم في موقع قوة، ما يجعل الوضع أكثر تعقيداً بالنسبة للمسؤولين المغاربة في الرباط.
فبعد أن استتب الأمر لهؤلاء المقاتلين في سوريا، حيث أصبحوا شركاء في السلطة، ما يجعل فكرة العودة إلى المغرب، الذي رفضهم سابقاً، أمراً غير وارد بالنسبة لهم، الامر الذي يجعل غياب المغرب عن أي مبادرات أو مفاوضات تتعلق بالعالقين والمقاتلين أدى إلى تهميش دوره في أي ترتيبات محتملة في سوريا ما بعد الأسد، بينما تستفيد دول أخرى من استراتيجيات أكثر مرونة.
غير انه رغم هذه الصعوبات التي كانت نتيجة سوء تدبير وتقدير لملف المعتقلين والعالقين بسوريا والعراق ، ما زالت أمام المغرب فرصة لتدارك الأخطاء السابقة عبر اتباع مقاربة أكثر توازناً بين الأبعاد الأمنية والإنسانية والدبلوماسية تتمثل في الآتي :
1- إعادة النساء والأطفال:
يجب على السلطات المغربية تسريع إجراءات إعادة النساء والأطفال العالقين، وإدماجهم ضمن برامج تأهيل اجتماعي ونفسي، كخطوة أولى نحو تصحيح الوضع.
2- تعزيز التعاون الدولي:
يمكن للمغرب التنسيق مع دول إقليمية ودولية لإيجاد حلول مشتركة لإعادة المقاتلين المحتملين أو على الأقل الراغبين منهم في العودة الى المغرب خاصة النساء الأرامل والأطفال، مع التركيز على تقديم ضمانات أمنية كافية وادماجهم في المجتمع.
3- فتح قنوات للتواصل مع المعارضة السورية:
في ظل دور المقاتلين المغاربة في هيئة تحرير الشام، قد يكون من المفيد للمغرب بناء جسور تواصل مع هذه القوى، لضمان الحفاظ على حد أدنى من النفوذ الدبلوماسي في المنطقة.
ختاما إن ملف المقاتلين المغاربة في سوريا يمثل درساً للمسؤولين المغاربة حول أهمية التوازن بين الأمن والسياسة في إدارة الأزمات الدولية. إن قطيعة السلطات مع هؤلاء المقاتلين قد تكون حرمت المغرب من فرصة إدارة هذا الملف بشكل استراتيجي يضمن حماية الأمن الداخلي، مع الحفاظ على نفوذها الإقليمي.
لذلك فإن المرحلة المقبلة تتطلب مقاربة شاملة ومرنة تأخذ بعين الاعتبار التحولات الجديدة في سوريا، وتضع مصلحة الأمن القومي المغربي في صلب الأولويات دون تجاهل الأبعاد الإنسانية والدبلوماسية.