بقلم: لحسن الجيت
في هذه الأيام العصيبة التي يمر منها النظام الجزائري بعد الانتكاسات الدبلوماسية المتوالية والعزلة التي يتخبط فيها، يحاول هذا النظام عبثا أن يلملم أشلائه أو يتنفس مما تبقى له من أنفاس عبر القيام بتحرك دبلوماسي من تحت الطاولة مع حرصه على الإبقاء على هذا التحرك في دائرة المستور بعيدا كل البعد عن الأضواء. هذا التكتم يسهر عليه في واشنطن كل من صبري يوقادوم، وزير الخارجية السابق والذي كان مندوبا دائماللجزائر في نيويورك، ويتولاه في الدوحة وزير الخارجية الحالي أحمد عطاف. الهدف واحد بالنسبة لهذا الثنائي هو محاولة فتح فنوات التواصل مع البيت الأبيض بعد عودة الرئيس دونالد ترامب إليه لأهداف مقيتة وضعها النظام الجزائري لنفسه وسناتي على ذكرها.
رغم السرية التامة التي أراد النظام الجزائري أن يحيط بها هذا التحرك خشية من أن يرتد الفشل عليه، تبقى المعلومات الشحيحة والمؤكدة تشير إلى أن هذا التحرك استهدف بالأساس أقرب المقربين للرئيس دونالد ترامب والشركات الأمريكية الكبرى العاملة في حقل السلاح والبترول.
المهمة التي أنيطت للسيد صبري بوقادوم تمحورت بالأساس علىالاتصال مع بعض اللوبيات اليهودية سواء في واشنطن أو نيويورك الناشطة في مجال السلاح والبترول والتي لها علاقة جيدة مع الحزب الجمهوري. السيد بوقادوم، بحسب المعلومات المتوفرة، ومن خلال الاتصالات التي أجراها قدم إلى المحامين والمستشارين القانونيين لهذه اللوبيات عروضا مالية مغرية تقدر بمئات الملايين من الدولارات إن هي أوجدت موطئ قدم للجزائر مع الإدارة الأمريكية الجديدة. وتفيد كذلك تلك المعلومات على أن الدفعة الأولى حصلت عليها تلك المكاتب من الجزائر بقيمة 20 مليون دولار.
بالإضافة إلى ذلك يستعين كذلك السيد بوقادوم في تحركاته واتصالاته بزوجته صبرية التي تشغل حاليا منصب قنصل عام للجزائر في نيويورك والتي تمكنت بدورها من نسج علاقات مع مؤسسة “الإيباك” اليهودية، حيث استطاعت أن تنسج بعضا من علاقاتها بفضل يهودي يدير أملاك دونالد ترامب والذي تعرفت عليه بعد أن استأجرت شقة في أحد أبراجه في نيويورك كمقر لسكنها بمبلغ قدره 25 ألف دولار شهريا أي ما يعادل 181 ضعف الحذ الأدنى للأجر في الجزائر.
الإغراء الذي يقدمه صبري بوقادوم وزوجته للوبيات اليهوديةاستهدف كذلك أصحاب الشركات الأمريكية الكبرى العاملة في مجال السلاح وحقول البترول. وتقدر العروض المقدمة في سياق هذا الإغراء إلى حدود 15 مليار دولار سنويا كصفقات لشراء الأسلحة الأمريكية من قبل النظام الجزائري. كما قدم بوقادوموعودا إلى اللوبيات التي التقى بها يؤكد لها مدى استعداد الجزائر لإبرام عقود معها للتنقيب عن الغاز الصخري في حوص “اهنيت” والذي يقدر مخزونه بتريليونات المتر المكعب.
في حين انحصرت مهمة وزير الخارجية أحمد عطاف بعد تكليفه بإجراء لقاء في غاية السرية في الدوحة يوم 16 دجنبر المنصرم مع أحد رجال الأعمال من أصل لبناني يدعى “ميكائيل بولس” وهو حديث العهد بالزواج بابنة دونالد ترامب أي منذ عام 2022واسمها “تيفاني”. وقد وقع اختيار النظام الجزائري على التواصل مع هذه الشخصية أولا بصفته صهرا جديدا للرئيس الأمريكي العائد، وثانيا باعتباره ابنا لرجل الأعمال “مسعادبولس” والذي اختاره مؤخرا الرئيس ترامب واحدا من مستشاريه المقربين، وثالثا على أمل أن يكون السيد مكائيل صلة وصل لإبلاغ الرسائل التي يريدها النظام الجزائري أن تصل إلى البيت الأبيض لكي لا يبقى الرئيس الأمريكي تحت رحمة المؤثرين عليه من المقربين إلى المغرب وعلى رأسهم “جاريد كوشنير” الصهر الأول للرئيس ترامب.
من المؤكد أن هذا التحرك الجزائري يندرج في سياق أجواء جد متوترة يخشى النظام الجزائري عواقبها. وهو قلق جدا من تعيين “ماركو روبيو” ككاتب الدولة على رأس الدبلوماسية الأمريكية بعد أن هدد الجزائر في رسالة له إلى أنطوني بيلينكن باتخاذ عقوبات ضد النظام الجزائري بسبب التعاون العسكري الوثيق بين الجزائر وروسيا، وأن الجزائر ، كما جاء في الرسالة، تعد من الدول الأربعة في العالم الأكثر إقبالا على شراء الأسلحة الروسية من خلال صفقة أبرمتها مع موسكو عام 2021 تقدر ب 7 مليار دولار.
ومما يزيد من “نرفزة” النظام الجزائري وانزعاجه العميق من الإخفاقات الدبلوماسية التي تكبدها على التوالي والتهديدات التي يتم التلويح بها ضده ، هو أن يلقى ذات المصير بانهياره على غرار ما حدث من سقوط مدوي لنظام بشار الأسد الذي طالما دافع عنه هذا النظام واتخذه حليفا تاريخيا له في المنطقة العربية.
كل ذلك وغيره يفسر هذا التحرك الجزائري لأنه يعلم أن المتغيرات الإقليمية والدولية جميعها تلعب في صالح المملكة المغربية. ولذلك، فإن النظام الجزائري يفضل اليوم أن يقامر بثروات الشعب الجزائري لضمان بقائه في الحكم بدلا من أن تستقيم الأمور في مصلحة المغرب مع عودة دونالد ترامب الذي أصدر مرسوما في آخر أيامه من ولايته السابقة يعترف فيه بمغربية الصحراء. كما يشير ذلك التحرك أن النظام الجزائري أراد أن ينزل بكل ثقله وبكل ما يحمل معه من رشاوى وإغراءات وانبطاح كي لا يفي الرئيس دونالد ترامب بالوعد الموعود المتمثل في فتح قنصلية أمريكية في منارة إفريقيا والأقاليم الصحراوية مدينة الداخلة.
إن بهلوانية النظام الجزائري لن تفيده في شيء مهما كانت الإغراءات لكن هذا لا يعفي المغرب من مواصلة مكتسباته بتعزيز تعاونه مع جميع حلفائه من خلال شراكات متنوعة ومتوازنة سواء مع إسرائيل أو غيرها. فمصلحة الوطن فوق جميع الاعتبارات. ومن المقايضات التي وضعها صبري بوقادوم وأحمد عطاف في تحركهما باسم الجزائر وهي أن نظامهما على أتم الاستعداد لإقامة علاقات رسمية مع إسرائيل إن كان ذلك سيقلب الموازين في المنطقة وإعادة واشنطن النظر في قرارها القاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء.
فبشرى للنظام الجزائري بأول الغيث بعد هذا التحرك وهو أن الرئيس دونالد ترامب وفي أول يوم من عودته إلى البيت الأبيض دعا صهره وصديق المغرب “جاريد كوشنر” إلى الوقوف أمام حشد غفير ليعيد الثقة فيه أمام الملإ ويقدم صهره النافد من جديد لمنصبه الرفيع