صدر للكاتب المغربي محمد الهداج كتاب بعنوان “الخطاب العربي والحداثة: محمد عابد الجابري وزكي نجيب محمود وعبد لله العروي وآخرون” عن دار رؤية للنشر والتوزيع بمصر في طبعة أنيقة وفي 252 صفحة، جاء الكتاب في أقسام ثلاثة ومقدمة وخاتمة، أولها: مقدمات في فكر أهل الغرب، فيه فصلان؛ الأول اللغة من المرأة إلى الحياة، والثاني الخطاب. القسم الثاني الخطاب العربي المبشر بالحداثة، وفيه فصول ثلاثة؛ الأول عقول فوق العقول، والثاني ثلاثة نماذج عبد الله العروي أو الذات الحاملة للتاريخ، ومحمد عابد الجابري أو خطاب الحقيقة، وزكي نجيب محمود أو خطاب العلم، أما القسم الثالث فتحدث عن الاستراتيجية الجديدة للخطاب العربي المبشر بالحداثة.
يقول الكاتب في مقدمة الكتاب: ” في معرض نقض الفيلسوف الأمريكي ريتشارد رورتي لما اصطلح عليه في تاريخ الفلسفة الغربية بالواقعية وما يلزم عنها من ادعاء لوجود حقيقة مستقلة عن الأحياء والأشياء، قائمة بذاتها، لا بلغة ولا اجتماع أو تاريخ، قال جملة أسالت الكثير من المداد لكنها أصابت كبد الحقيقة في واقعنا الفكري العربي، العبارة هي من كتابه الأشهر ” الفلسفة ومرآة الطبيعة” ونصها: “الحقيقة هي ما تركك أقرانك تفلت به”. وعندما عاودت النظر في الفكر العربي الذي جعل رسالته الدعوة لأنوار الحداثة، بعد رحلة دامت سنوات أمضيتها بين كتب الغربيين، وجدت أن مفكرينا وفلاسفتنا أفلتوا بالكثير من “الحقائق”، في غفلة من الأقران حينا، وبتواطؤ معهم حينا آخر. كما ازداد يقيني في أن حياة الفكر لا تعرف ازدهارا ولا قوة ولا غناء بغير أقران يستحضر بعضهم بعضا عند الكتابة، فتكون الحجة بقدر قوة القرين، أو على قدر ضعفه”.
يرى المؤلف أن الفكر المبشر بالحداثة لم ينظر في الأسس التي قامت عليها فلسفة المدارس الغربية ولم يختبر صلاحيتها للتطبيق ومناسبتها للنظر، وإنما سلم بها من واقع التفوق الغربي والتخلف العربي . إن ما يحاول المؤلف إبانته في هذا الخطاب هو: أولا: انتقائية ذلك الخطاب ؛ فما يقدمه بوصفه حداثة واستنارة وعقلا وكونية إنما هو ما تخيره أصحابه مما يوافق منزعهم أو غاياتهم المسبقة، ثانيا: اعتماد هذا الخطاب تصورا للعقل يراه ماهية قائمة بذاتها تجعل من صاحبها كائنا قادرا على إدراك العالم كما هو متمكنا من الوصول إلى حقائق الأمور دونما تسلیم بشيء خارج سلطان العقل، ثالثا: انبناء هذا الخطاب على استراتيجيات مهمتها دعمُ حجاجية هذا الخطاب وتوفير مسالك إقناعيته وتجنبه مواضع التناقض أو المغالطة.
كما جاء في خاتمة الكتاب:” ليس هذا الكتاب على الحقيقة مقالة في فكر أهل الحداثة من العرب ولكنه خطاب في الحذر. لن تستطيع حماية نفسك وعقلك بالثقة في كل من رقن حرفا أو أشهر مصطلحا، ولكن بتحصيل ما به تستطيع الدخول في حفل تنكري ضخم اسمه الفكر العربي.
لقد عرف هذا العالم العربي ولعقود عددا غير يسير من الأنبياء كانت معجزتهم الوحيدة هي أنهم وجدوا من يصدقهم.
إن ما يريد هذا الكتاب بيانَه هو ألا أحد يستطيع أن يعطي قيمة اليقين لما يكتبه ثم يجبرَ الناس على سلوك سبيله حتى لو أطلق عليه أوصاف العقلانية والديموقراطية، إن ما يريده الخطاب العربي المبشر بالحداثة هو أن نريد ما يريد وأن نبرمج أنفسنا على خياراته، إنها وصاية تخفي نفسها خلف نقيضها، وقد علمنا الاستعمار والاستبداد السياسي أن أصحاب الشعارات الوردية ليسوا بالضرورة من أهل الظاهر. “