بقلم: لحسن الجيت
أين المفر أيها النظام؟ لم يعد بإمكانك أن تحجب الشمس بالغربال. سقوطك للمرة الثالثة على التوالي في لعبة كرة القدم اثنتان منها على مستوى كأس إفريقيا والثالثة عند إقصائك من كأس العالم على يد المنتخب الكاميروني الذي وصفته بالمنتخب المتواضع. ما يعنيه ذلك الفشل كله هو الإفلاس بعينه. وشكرا للعبة كرة القدم التي تنقل مباشرة على القنوات لتكشف زيف السياسات المتبعة والدعايات الرخيصة، على خلاف القطاعات الأخرى التي يمكن لذلك النظام التستر على فشلها بالبهتان وتلفيق الاتهامات والتهرب من المسؤوليات.
كيف يمكن قراءة هذه الهزيمة المذلة والمخزية وهي هزيمة للنظام وليس للاعبي منخب الجزائر؟ بكل بساطة ومن أجل تقييم موضوعي إن هذا الفشل في قطاع الرياضة هو واحد من تجليات إفلاس المنظومة السياسية المتبعة في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتعليمية في الجزائر. منظومة تعتمد فقط على تلميع الصورة أمام الخارج أكثر ما هي مشوهة على أرض الواقع، وتفخيم الأنا عند الشعب الجزائري على “الخوا الخاوي” أكثر من صون كرامته التي هي في الحضيض.
كما أن هذا الفشل يعود إلى عدم التركيز على الذات أو العمل على تقويتها بما يخدم المصالح الحقيقية للبلد. النظام الجزائري ليست له أجندة داخلية كي يخصص لها كل الوقت وكل الإمكانيات بل هو منشغل بكل ما يجري في المغرب ويهدر وقته في متابعة كل صغيرة وكبيرة في دول الجوار وقد نسي أنه لديه شعب هو أولى بالاهتمام من أي شيء آخر. والدليل عن هذه الحقائق هو السوك المشين الذي أظهره هذا النظام تجاه المغرب في أطوار التباري بالكوت ديفوار. سلوك يعطيك الانطباع أنهم ذهبوا إلى هنالك للتشويش واستفزاز المغرب والإساءة إليه.
فئة مدسوسة في صفوف الجماهير الجزائرية أبدت تصرفات مشينة وعنصرية في حق الإيفواريين والأفارقة بارتدائها أقمصة المنتخب المغربي. وفئة أخرى أراد لها النظام أن تذهب إلى المدن الإيفوارية للدعاية بأن الزليج أصله جزائري وليس مغربي من خلال قمصان كان يرتديها عناصر المنتخب الجزائري أثناء عمليات التسخين وبعض الجماهير الجزائرية المتواجدة في المدرجات.
لا يمكن في ظل هذه الأجواء خارجة عن نطاق الرياضة وبعيدة عن قيمها وأخلاقياتها يمكن للمنتخب الجزائري أن يركز على المهمة النبيلة التي يفترض أنه قد جاء من أجلها فإذا به قد يجد نفسه جاء ليؤدي رسالة سياسية فيها نوع من الكيدية وخاصة عند بعض اللاعبين الذين يترددون على المغرب عشقا له وعلى مدار العام.
الإعلام الجزائري من جهته أيضا لم يركز هو الآخر على منتخب بلاده، بل أثث لحملة مجنونة تندرج في سياق السياسة الرسمية المعادية للمغرب. فانشغل هذا الإعلام بما يمكن أن يساعد بالتشويش على المنتخب المغربي أو النيل من معنوياته. فبدا التحامل واضحا بكل وقاحة ليحول انتصار المغرب على تنزانيا بتعادل لا يوجد إلا في مخيلة ذلك النظام الذي فقد أبجديات الضوابط. ومنهم من ذهب في حماقاته إلى أبعد من ذلك على أنه سيقف ضد المنتخب المغربي حتى لو لم يكن له خصم على أرضية الملعب.
هناك عامل آخر لا يقل أهمية عن سابقه لفهم هذا الفشل الذي مني به النظام الجزائري في هذا العرس الرياضي الإفريقي الذي ابتهجت له كل الشعوب الإفريقية باستثناء الشعب الجزائري الذي تتوالى عليه الانتكاسات تباعا. هذا العامل يتمثل في الغرور والنظرة الاستعلائية التي يواجه بها هذا النظام الدول الأخرى تماشيا مع سياسة التبعية والهيمنة سواء مع الشقيقة موريتانيا أو مع بقية بعض دول الجوار. فنظرة من هذا القبيل لها ارتدادات سلبية على أصحابها.
منابر إعلامية تابعة لهذا النظام شنت حملة ضد المنتخب الموريتاني واستصغرت من قدراته في مواجهة ثنائية كانت صادمة. من دون وجل، سمحت تلك المنابر لنفسها بأن تتطاول على الاتحاد الموريتاني لكرة القدم مدعية أن الجزائر تملك ما يفيد أن معسكر المنتخب الموريتاني وإقامته في ساحل العاج كانت على نفقة دولة ما. هذا الادعاء حمل الاتحاد الموريتاني إلى نفي تلك الادعاءات جملة وتفصيلا معتبرا إياها عارية تماما من الصحة.
وعن المقابلة التي جمعت منتخبي موريتانيا والجزائر، استخف الإعلام الجزائري بقدرات الأشقاء الموريتانيين مما حدا بالبعض أن النتيجة محسومة بالنسبة للمنتخب الجزائري وأن هذا الأمر غير قابل للنقاش. ومن المحللين الجزائريين من قال بعجرفة واستخفاف في حق إخوتنا في موريتانيا إذا لم يكن هناك انتصار يجب إغلاق الاتحاد الجزائري لكرة القدم إلى ما دون رجعة.
هذه النظرة الدونية للآخر هي عقيدة هذا لنظام التي يبني عيها تعامله مع موريتانيا الشقيقة ومع تونس ومع ليبيا ومع دول الجوار. فالرياضة اليوم كشفت عن الوجه الحقيقي للنظام الجزائري في كل معاملاته وتعاطيه على جميع الأصعدة من دون احترام لسيادة تلك الدول ولا لإمكانياتها ولا لقدراتها. ولذلك فهذا الانتصار للمنتخب الموريتاني يؤكد أن الثقة بالنفس أساس للتقدم والاعتماد على الذات وفرض الاحترام على الغير خير ما يمكن أن يوصل نواكشوط إلى بر الأمان. فموريتانيا لها من المقومات ما يمكن أن يجعلها سيدة نفسها. فهنيئا لها بهذا الإنجاز. وحتى لو توصلت بتهنئة من الجزائر فإن ما أفاض به الإناء من خبث فهو الذي يجب الاعتداد به. وليعلم النظام الجزائري أنه قد واجه منتخبا اسمه “المرابطون”. فالتاريخ له أحكامه، ومن ليس له تاريخ ليس له مستقبل.