ضرورات إصلاح ما أفسدته السجون لإعادة الإدماج والرعاية اللاحقة

بقلم: العلمي الحروني (.)

سنتطرق من خلال موضوع “ضرورات إصلاح ما أفسدته السجون المغربية لإعادة الإدماج والرعاية اللاحقة” إلى معاناة ومطالب المفرج عنهم من سجناء أهل السياسة والرأي خاصة، مرورا بالإشارة السريعة إلى أصحاب الحق العام القابعين في السجون والمفرج عنهم، وضرورة التطرق للأسباب الطاوية وراء ذلك والتبعات السلبية الإجتماعية والاقتصادية والسياسية، وأي معالجة ناجعة لعدم السقوط في التعسف السلطوي وطي هذه الصفحة السوداء المؤلمة، وهو ما سيستشفه المهتمون من كل تلك الإشكالات الجزئية المطروحة على الساحة الوطنية ( الاعتقال السياسي والتعسفي، وأحكام الإعدام ومكانة مقاربة النوع، مسألة العود، مسألة حضور القدوة/ المثال، وتلفيق التهم وعدالة المحاكمات، ومواكبة وإعادة الإدماج والرعاية اللاحقة للمفرج عنهم، والوصم الإجتماعي النفسي، ومعالجة مطالبهم، وحرية التعبير والتظاهر السلمي،…..) وعلاقة ذلك كله بنجاعة وظيفة السياسة السجنية المتبعة ببلادنا، وبالإشكالية الخاصة بالندوة المزمع تنظيمها نهاية الأسبوع المقبل من طرف الحزب الاشتراكي الموحد / تمارة حول مدى نجاح إصلاح ما أفسدته السجون المغربية خاصة ما يتعلق بالظلم الإجتماعي والسياسي، وذلك اعتمادا على قراءة نقدية سريعة للإحصاءات الرسمية.
بالفعل، فحسب المندوبية المختصة، عدد الساكنة العامة بالسجون المغربية، إلى غاية 31 دجنبر 2023، 38726 معتقلا على خلفية جرائم القوانين الخاصة، و30916 حالة تتعلّق بجرائم الأموال، و12678 بالجرائم المرتكبة ضد الأشخاص، و11174 بالجرائم ضد نظام الأسرة والأخلاق العامة، و9396 بالجرائم المرتكبة ضد الأمن العام والنظام العام، ثم 8805 حالات تتعلّق بجرائم أخرى. وعليه، فالعدد الإجمالي يصل إلى 111695 سجين في نهاية 31 دجنبر 2023، ويتوقع أن يرتفع العدد إلى 714 122 ألف و 714 سجين عند نهاية 2024، مع نسبة تناهز 250 سجين لكل 100 ألف نسمة في نهاية 2022 حسب مكتب الرصد المغربي.
كما يمثل المحكومون بالإعدام منهم، حسب مرصد السجون 0.10%، حيث تشهد هذه الفئة بحسب مرصد السجون ارتفاعاً مقارنة بالعام 2021، في حين أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان صرح، خلال تقديمها التقرير السنوي (2020)، “أن عدد المحكوم عليهم بالإعدام في المغرب يبلغ 74 سجين بينهم سيدتان”، ضمنهم 11 حالة حكمت سنة 2019، وتفيد مصادر أخرى، أن السجناء المحكومون بالمؤبد أو الإعدام فيمثلون %1 من مجموع السجناء.
أما بالنسبة للعود بين السجناء المفرج عنهم في السجون المغربية خلال عام 2024، حسب المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج في المغرب، أثناء إعلانه عن نتائج دراسة حديثة، فإن نسبة العود بلغت 24.6٪، وقد تم تسجيل عودة 49.4٪ من هؤلاء السجناء خلال السنة الأولى بعد الإفراج بالعفو أو بعد إنهاء مدة السجن. هذا يبرز بوضوح الفشل الذريع للمؤسسة السجنية في وظيفتها، سواء تعلق الأمر بـ “رعاية وإصلاح وتأهيل السجناء” أو في هدف ” إعادة إدماج المفرج عنهم وتوفير الرعاية اللاحقة لهم”.
لا يتوقف فالأمر عند توفير مؤسسات السجون الضرورية لتنفيذ أحكام قضائية وعقوبات صدرت، بغض النظر عن صحة التهم أو عدالة المحاكمات من عدمهما، بقدر ما يتعلق بالتكفل بالسجناء في المجالات النفسية والاجتماعية والتربوية والجنسية في ظل التشريعات والنصوص القانونية الدولية والوطنية.
وإذا كان هذا الوضع كذلك كما تسجل الأرقام والنسب والرسمية المتعلقة بالسجناء (توقع قرابة 123 ألف سجين/ة سنة 2024)، إذا كان مجتمع قاطنة السجون حاليا بهذا الجيش الكبير من سكان السجون، فإن المفرج عنهم سيكونون بالأضعاف المضاعفة، بحيث يمكن القول بوجود ” مجتمع” كامل للسجناء المفرج عنهم ينتظرون إصلاح ما أفسدته السجون والظلم الإجتماعي والسياسي وغياب “قوة المثال” في العدالة ببلدنا، ينتظرون إعادة الإدماج الحقيقي والرعاية اللاحقة الحقة من الآثار السلبية الناتجة عن فترات السجن وما بعده من مخلفات الوصم الإجتماعي والنفسي.
هذا فيما يتعلق بعموم السجناء، أما المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي بالمغرب ومعتقلي الحراكات الشعبية السلمية، ومدونين وصحافيين أو من اعتقلوا على خلفية أراء ومعتقدات دينية أو فكرية وغيرها من الإعتقالات التعسفية بسبب المقاربة الأمنية المفرطة، فهذا يحتاج إلى دراسة علمية وافية وإلى الرأي المسؤول والشجاع يتجاوز ” الرقابة الذاتية” المرضية. في هذا الإطار، كان للجمعية المغربية لحقوق الإنسان السبق في الإعلان عن رقم 175 معتقلا ومعتقلة سنة 2022، ضمنهم معتقلون على خلفية الحراك الشعبي للريف أو آراء دينية ومعتقلين من الاقاليم الصحراوية في ملف ” اكديم ازيك” وغيره.
وفيما يتعلق بالمفرج عنهم من هؤلاء المواطنين والمواطنات بسبب الرأي السياسي والفكري والصحافي و كل ما يتعلق بحرية التعبير أو على إثر احتجاجات اجتماعية سلمية من أجل مطالب اجتماعية واقتصادية وثقافية عادلة و مشروعة، وفليس هناك رقم مضبوط يعتمد عليه خاص بالمفرج عنهم منذ سنوات الرصاص لغاية اليوم التي عرفت اختطافات وشهداء (المهدي بنبركة، عبد السلام المودن، سعيدة المنبهي،…). غير أن أي مهتم موضوعي بالإعتقال السياسي والتعسفي سيتحدث عن عشرات المئات إن لم نقل آلاف، وهذه الفئة بالضبط هي التي ستتناولها ندوة فرع تمارة للحزب الإشتراكي الموحد بالنقاش يوم السبت 26 أكتوبر 2024، بإثارة معاناتها ومطالبها وحقوقها وقضايا رد الإعتبار لها وجبر الضرر لها ولعائلاتها، تحت عنوان ” الإعتقال السياسي بالمغرب بين رد الإعتبار وضرورات طي صفحة الإعتقال التعسفي”.
لتناول هذا الموضوع المركب والمعقد، يستضيف الحزب الإشتراكي الموحد/تمارة، ثلة من القيادات السياسية و الحقوقية المناضلة وممثلين عن المجموعات والتنسيقيات الممثلة للمفرج عنهم. نذكر من بين المتدخلين الأساتذة المصطفى المعتصم ومحمد المجاوي وسليمان الريسوني والمعطي منجب وأحمد المرزوقي و نور الدين الرياضي وعبد العالي بريك ويحيى فضل الله والبوزياني أحمد جمال وعبد الله أعكاو. وعن الهيئات الحقوقية نشير إلى الأساتذة عبد الإلاه بنعبد السلام وعزيز غالي الحسني حسن العلوي والحسين المرابط، ومبارك عثماني و سعيد السكتي و حسن كمون وعبد الوهاب التدموري، وفعاليات حقوقية وسياسية للمشاركة في النقاش.
(.) قيادي بالحزب الاشتراكي الموحد

تعليقات (0)
اضافة تعليق