ما التواصل؟

بقلم: محسين بونجاب

تقديم:

إن التواصل ( communication) : هو إشراك شخص أو هيأة (organisme) مموضع في فترة ما، في نقطة معينة، في تجارب منشطة لمحيط شخص آخر، أو نسق آخر مموضع في فترة أخرى، ومكان آخر، عن طريق استعمال عناصر المعرفة المشتركة بينهما ” تجربة عوضية“. كما يعرفهمورينو: عالم التواصل في المجتمع المعاصر لم يعد يوجد فعل لا يجد صلته بتواصل أيا كان، كل فعل إنجازي هو نتاج لأمر ما وحيد أو متغير أو متكرر أو أكثر من ذلك، مرفوق بطلبية، بكشف بفاتورة، وينتقل متلازما مع علامات مالية، كل إجراء إداري، كل علاقة إشهارية، كل شخص إخباري عن طريق الصحافة أو التلفزة، بشكل أعم الحياة الاجتماعية تستند إلى التواصل .

   والتواصل باعتباره ماهية اجتماعية تاريخية ، فكانت اللغة أرقى هذه الأشياء لتحقيق التواصل الإنساني، ومن هذا المنطلق كانت اللغة أبرز الأنسقة السميولوجية، باعتبارها  نظاما معقدا من العلامات والرموز، ذلك النظام الذي يجعل منها كيانا قائما بذاته لسانيا، لذلك فكل حديث عن الوظيفة التواصلية للغة يقتضي بالضرورة الكلام عن وظيفة رموزها وعلاماتها، وكل تواصل بين الأفراد والجماعات يتم بطرق مختلفة: تقاليد، إشارات، علاقات رمزية، شعائر…لكي تَظلُ اللغة أهم وأرقى الاتصال البشري.

  وحتى يحقق التفاعل مصداقيته فهو يتجسد في متخاطبين اثنين، يختلفان في درجة تفاعلهما باختلاف الخطابات، تقول أوركيوني:” حتى يكون التبادل تواصليا، لا يكفي وجود متخاطبين يتبادلان أطراف الحديث بالتناوب، بل يجب أن يتحدثا ويندمجا معا في التبادل.”

  ولا شك أن التبادل لأطراف الحديث بين شخصين هو في حد ذاته تواصل، والتواصل مجموع ما ينتجه الإنسان عبر لغته وأشيائه، وإيماءاته وطقوسه ومعماره، يدخل ضمن سيرورة تواصلية متعددة المظاهر والوجود والتجليإلى الحد الذي يجعل الثقافة في كليتها سيرورة تواصلية دائمة.

   وهناك تعريف آخر للتواصل فهو عبارة عن سيرورة اجتماعية لا تتوقف عن حد بعينه، إنه سيرورة تتضمن عددا هائلا من السلوكات الإنسانية: اللغة، الإيماءات، النظرة، المحاكاة الجسدية، الفضاء الفاصل بين المتحدثين، ولهذا من العبث الفصل بين التواصل اللفظي والتواصل غير اللفظي، ذلك أن الفعل التواصلي هو فعل كلي… ووسع توماس هال في كتاباته المتعددة تحث ثأتير أطروحات سابير اللسانية دائرة التواصل لتشمل الإيماءات، وأفعال الجسد وانفعالاته، وكل ما يحيط بالإنسان بشكل مباشر، كما أن التواصل ليس فقط حوارا بين شخصين بل محكوم بأبعاد دينية واجتماعية وثقافية.

1- قوانين الخطاب ودورها في الفعل التواصلي:

 ليس الكلام مجرد نطق بألفاظ معينة مرتبة على مدلولات محددة، وإنما هو إرادة من لدن المتكلم للتوجه إلى الغير من أجل إفهامه، ومنه يتضح أن حقيقة الكلام تتحقق من العلاقة التخاطبية التي تنتظم من خلالها الألفاظ وفق ما تقتضيه إجراءات التخاطب بين المتكلم والمتلقي من جهة، والمقصد الذي ينبني عليه الكلام من جهة أخرى.

و تتأسس هذه العلاقة على “التبليغ” المبني على نقل الفائدة المخصوصة، والتي قد يتزاوج فيها ” الإظهار والإضمار” بالاعتماد على قوانين تنظم ذلك. يقول طه عبد الرحمان” ولما كان  التخاطب يقتضي اشتراك جانبين عاقلين في إلقاء الأقوال وإتيان الأفعال، لزم أن تنضبط هذه الأفعال بقواعد تحدد وجوه استقامتها الإخبارية او قل “فائدتها التواصلية”، نسميها “بقواعد التبليغ” علما بأن قواعد “التبليغ” موضوع للدلالة على التواصل الخاص بالإنسان، كما لزم أن تنضبط هذه الأفعال بقواعد تحدد وجوه استقامتها الأخلاقية، أو قل “التعاملية” نسميها بقواعد التهذيب”، وقد حاول العلماء الكشف عن هذه القوانين والقواعد التي تجعل المتكلم يوصل ما يود إيصاله للمتلقي بالتصريح عن مقصده، أو التلميح له بواسطة آليات معينة تجعل المخاطب يدرك ما لم يصرح به، وقد صاغها غرايس Grice ضمن ما يسمى “بأحكام المحادثة”، وأعاد ديكرو بسطها ضمن ما يدعى “قوانين الخطاب”، وتنوعت أكثر من جهود باحثين آخرين.

طبيعة هذه القوانين:

 لا تقف طبيعة هذه القوانين عند حدود مقتضيات الضوابط اللغوية، بل تتعداها لتشمل تلك المعطيات غير اللغوية، والتي تجعله يحتكم إليها في خطاباته اللغوية المختلفة، ورغم ذلك فهي غير منعزلة عن القواعد اللغوية، بل تستمد تنظيمها منها، يقول عمر بلخير” هي مجموعة من القوانين المكملة للقواعد التركيبية الدلالية، تستمد وجودها من المجتمع ومما جُبل الإنسان عليه من قدرات ذهنية استنتاجية وتتحكم هذه القواعد في لعبة التبادل الكلامي بين الأشخاص عن طريق تحديدها للأدوار، وفي إبراز البعد التبادلي الحواري للخطاب، وكذا منزلة الشخص حين تناوله للكلام. والهدف الرئيسي لهذه القواعد هو تمكين المتكلم من صياغة أٌقواله التي قد تمنعه بعض الأحوال عن التصريح بها أو أن يرغب في صياغتها على نمط يكون أكثر إبلاغا وأحسن تأدية وأكثر إقناعا، ليتمكن المستمع في الأخير من إدراك ما لم يرغب المتكلم في الإفصاح عنه”.

و نلاحظ أن هذه القوانين تتعلق بالمجتمع وأخلاقياته، تشكل في أساسها  معطيات توجه وتحدد طبيعة الكلام الذي يحققه المتكلم .

 إن خضوع المخاطب للمتلقي والعكس صحيح، يعني البحث عن القواعد التي تسهم في تواصل النشاط الكلامي( الخطابي) استنادا إلى مبادئ غرايس GRISE الأربعة، وإن حسن سير التواصل، كما يرى غرايسيتطلب التقيد بمبدأ التعاون، وهكذا فإن المشاركين في عملية التبادل الكلامي بشكل عام يجمعون على هدف مشترك أو مجموعة من الأهداف، أو يتفقون على الأقل على إنجاز مقبول من الجميع.

 ومن هذا المبدأ تنبثق قاعدات وقاعدات فرعية يجمعها المؤلف في أربع فئات هي: الكمية والنوعية والعلاقة والموجه .

ا- حكم الكمية:

 تتمثل في إعطاء المخاطِب للمتلقي القدر اللازم من المعلومات، وليتحقق الخطاب يجب عليه أن يكون أكثر إخبارا، وهذا ما يدعى بقانون الإخبار، بمعنى آخر يجب على المخاطِب أن يعطي ويزود المخاطَب بالمعلومات حتى يكون تواصلهما فعالا، كما تعني إفادة المخاطب على قدر حاجته، وأن لا تتعدى الإفادة القدر المطلوب.

ب- حكم الصدق:

     يجب أن يكون المخاطَب صادقا فيما يذهب إليه، مقرا بالمعلومات التي يتلفظ بها ” قانون الصدق”، كما يقتضي من المتكلم أن يكون صادقا فيما يقوله، وأن لا يقول ما ليس له عليه بيّنة.

ج- حكم العلاقة:

    يجب أن يكون كلامه مناسبا للمقام “موضوع الخطاب” كما يدعىبقانون الإفادة، ويعني أن يناقشا ويتحاورا في الموضوع ذاته ، وتستدعي من المتكلم أن يجعل كلامه مناسبا وذا علاقة بالموضوع والمقام معا.

       د- حكم الشفافية والوضوح:

  يجب أن يكون واضحا متجنبا الغموض، يتحلى بالإفصاح والإيضاح ” قانون الشمولية”، كما تتطلب من المتكلم الإيجاز والإفصاح، والاحتراز من الغموض والالتباس، وترتيب الكلام وتنسيقه.

  وهذه القواعد متداخلة في أصلها، تمثل ضوابط تضمن لأي نشاط كلامي تبليغ الإفادة المقصودة في وضوح، ولذلك فهي لا تمثل مجرد معايير ينبغي للمخاطبين اتباعها فحسب، بل تمثل ما ينتظرونه من مخاطبيهم، فهي مبادئ تأويل أكثر من كونها قواعد معيارية أو قواعد سلوك، وهي مبنية على التعاون بين المتخاطبين من نجاح النشاط التبليغي، وعدم تضييع الغاية التي يتأسس عليها الكلام.

  ونشير هنا إلى أن أي انتهاك لقاعدة من القواعد قد يؤدي بالمخاطَب إلى توظيف آليات أخرى من أجل الوقوف على المقصد من القول، نمثل بذلك بجواب عمرو عندما يسأله زيد ” هل تعرف أن يسكن بكر؟ فيجيب عمرو: ” في ناحية قريبة من هنا “، حيث نلاحظ أن الإجابة انتهكت قاعدة الكم التي تتطلب التحديد أكثر، ولكن بإمكان زيد هنا أن يوظف آليات استنتاجية أخرى يدرك من خلالها أن عمرو لا يعرف بدقة مسكن بكر. وهذه الآليات في أساسها كما لاحظ غرايس– متفرعة عن منطق المحادثة، فعن طريقها يحاول الفرد الوقوف على المعاني الضمنية التي يقتضيها القول.

2-عناصر التواصل حسب جاكبسون:

المرسل                         الرسالة                     المرسل إليه

                                 ( لسانية/ سيميائية)                      

السنن (نسق القواعد بينهما)             القناة                            السياق

                                        (واسطة)

3-وظائف التواصل:

أتعبرية: ما يعبر عنه البات من مواقف.

بإفهامية: تتمحور حول المرسل إليه.

جمرجعية: المرجع أو السياق.

دانتباهية: تتعلق بقناة التواصل.

هلسانية أو لغوية : تتمحور حول السنن، تسمح للمتحاورين استعمال نفس السنن.

زشعرية: تتمحور حول الرسالة.

4- الكفايات الواجب توفرها للتواصل:

الكفاية اللسانية أواللغوية: مجموع المعارف التي يملكها المتكلمون عن لغتهم.

الكفاية النفسية : تحضير واستعداد سيكولوجي لإصدار الرسالة وتلقيها.

الكفاية الثقافية: مجموع المعارف الضمنية التي يملكونها عن العالم..

5الأسرار الستة للتواصل غير اللفظي (لغة الجسد):

إن الوجه يفصح عن نوايا الأكثر سرا حسب سعيد بنكراد.

أالوجه: اجعل وجهك مشرقا، حافلا بالتعبيرات، واجعل الابتسامة عادة دائمة لك.

ب-الإيماءات: كن معبرا، ولكن بدون إفراط.ج

جحركة الرأس: استخدم الإيماء بالرأس  عندما تتكلم.

د– الاتصال بالعين: حافظ على الاتصال بالعين مع الآخرين بالقدر الذي يشعر الجميع بالارتياح،  فإن من ينظرون للآخرين يكتسبون مصداقية أكثر ممن لا ينظرون.

هوضع الجسم: تحرك للأمام وأنت تستمع، وكن منتصبا وأنت تتحدث.

والمسافة الشخصية: قف مسافة من الطرف الآخر تجعلك تشعر بالارتياح.

6-الغايات من التواصل:

هل نتواصل من أجل لا شيء؟

نتواصل من أجل ربط علاقة اجتماعية مع الغير.

من أجل التأثير على مخاطَبنا لتغير منظومته الفكرية، أو من أجل إحداث بعض الآثار على إحساسات مخاطَبنا أو أفكاره وتصرفاته أوأفعاله.

نتواصل لكي نغير، فنتكلم لكي نغير، ونقرأ لكي نغير، من أجل إعطاء أهمية للشيء والحدث الخام، فلا وجود لرسالة بدون قيمة مضافة.

نتواصل من أجل البحث عن أشياء جديدة، ومن أجل حل مشاكلنا اليومية، ومن أجل أن نبرر على مواقفنا، لكي نتجنب الأشياء الغامضة، وقد لا يكون هناك تواصل حينما يكون كل شيء محط اتفاق.

عندما نتواصل فإننا نقوم بشرح ما هو غير لساني أو لغوي من أفكارنا أو مشاعرنا أو معتقداتنا أورغباتنا.

نتواصل من أجل جعل أفكارنا علانية مشتركة قابلة للتقييم، وقابلة أن تكون مؤثرة في من حولنا.

– التواصل يهم كل من له شيء يريد إبلاغه من أجل مشاركة غيره فيه.

فالمتكلم يعمل على التأثير على مخاطَبه، وذلك باستخدام استراتيجيات خطابية محكمة تختلف باختلاف الوضعية التواصلية ورهان التخاطب القائ.

لائحة المصادر والمراجع

1- آلان وباربارا بييز: المرجع الأكيد في لغة الجسد، مكتبة جرير، المملكة العربية السعودية، ط1، 2008.
2- أوكَان، عمر: اللغة والخطاب، إفريقيا الشرق، المغرب،2001.
3- جماعي التأليف: في التداولية المعاصرة والتواصل- فصول مختارة، ترجمة وتعليق: د. محمد نظيف، أفريقيا الشرق، المغرب، 2014.
4- جماعي التأليف: التداولية ” ظلال المفهوم وآفاقه”، إشراف وتحرير حسن خميس الملخ، عالم الكتب الحديث، إربد، الأردن، ط1، 2015.
5- حمو الحاج، ذهبية: لسانيات التلفظ وتداولية الخطاب، الأمل للطباعة والنشر والتوزيع، المدينة الجديدة، ط2، تيزي وزو، 2012.
6- سرفوني، جان: الملفوظية، ترجمة قاسم مقداد، منشورات إتحاد كتاب العرب، 1997.
7- عشير، عبد السلام: تطور التفكير اللغوي” من النحو إلى اللسانيات إلى التواصل”، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، ط 1، 2010.

المقالات:

بن عيسى عبد الحليم: قوانين الخطاب في النظرية التداولية.
تعليقات (0)
اضافة تعليق