بقلم: رشيد مصباح (فوزي)
وصلنا إلى المستشفى في جنح اللّيل، وضعوني في الكرسي المتحرّك وتوجّهوا بي إلى مصلحة الاستعجالات، تعاني من الفوضى والاكتظاظ، لا تستجيب لأدنى شروط النظافة والمعايير الصحيّة. لاشيء يبعث على الرّاحة والاطمئنان في هذه القاعة. وصدق من قال إن الصحّة مريضة في الجزائر.
لا يمكن لقاعة بحجم غرفة نوم أن تستوعب عشرات المرضى القادمين من كل البلديات والدوائر المجاورة. كيف يستطيع هؤلاء الأطبّاء ومساعديهم العمل في مثل هذه الظروف المترديّة؟
يد ربتت على كتفي لم أكن أتوقّع مجيء ولدي البكر وعقيلته؛ الكريمة ابنة الأصول. قطعا أميلا ليطمئنّا عليّ، فهدّتُ من روعهما: ”ليس هناك ما يدعو للخوف. أنا أمامكما بخير وعلى خير والحمد لله“.
صدى الأنين يهزّ القاعة، ونحن نترقّب قدوم الطبيب، وماذا عساه يقول لنا؟
لحظات ثم جاء شاب وسيم يرتدي كمامة، لم أكن أعرف أنّه الطبيب لولا السمّاعة الطبيّة المتدليّة على صدره.
سألني عن أشياء؛ وهو يتفحّص الملف الذي استلمه من الممرّضة التي رافقتنا من العيادة، ثم أعاده إليها وتمتم ببعض الكلمات. تلقّفتها الممرّضة على عجل والتفتت إلينا تدعوننا إلى مغادرة قاعة الاستعجالات.
توجّهنا نحو المصعد، لم ننتظر كثيرا أمامه وانفتح لنا الباب، واندفعنا نحوه، وأنا فوق الكرسي المتحرّك يخامرني الشعور أنّني لن أعود إلى البيت. ولحق من لحق، واكتمل العدد حتى لم يتبقّ أحد خارج المصعد.
أُغلقت الدفّتان آليا، واستعدّ الجميع للرّحلة للموالية. رفعت الممرّضة يدها ووضعتها على الزر، وضغطت على رقم إثنين. ثوانٍ وانفتح الباب، وانطلقنا بعدها نطلب جناح الجراحة العامّة رجال.
أمام مصلحة الإدارة تريّثنا، دخلت الممرّضة وتحمل الملف في يدها. ثم عادت رفقة طاقم جديد. تحرّكنا إلى الأمام ببعض الخطوات متّجهين إلى صالة، لا أتذكّر رقمها، ووقع الاختيار على أحد الأسرّة في زاوية صالة يرقد فيها عدد لا بأس به من المرضى.
عرفتُ المستشفيات ورقدتُ فيها، وأنا طفل، وأنا شاب في مقتبل العمر، وأنا كهل، وأنا أقاوم شبح الموت على أعتاب الشيخوخة… وعانيتُ.. وقاسيتُ.. وتألّمتُ كثيرا. لكن الذي آلمني أكثر هو الحالة المزرية التي تعرفها مستشفياتنا والمتمثّلة في هذه المطارح والأفرشة الملوّثة في بلد يعتبر من أغلى البلدان؛ يا للعار! يا للعيب!
متى سيتم الكشف عن الميزانيات والمبالغ الضخمة التي لا يعلم عنها المواطنين أين وفيما يتم صرفها؟
أليس من حقّ المواطنين الاطّلاع على هذه الميزانيات الضّخمة؟
كيف حتى وصل الأمر بمستشفياتنا إلى هذه الحال المزرية؟