في زمن فضل فيه كبار المفكرين والعلماء المغاربة التواري عن الأنظار، والإبتعاد عن المجال للسياسي والاعلام والأضواء، تحول بعض السياسيين والوزراء الى فلاسفة العصر، من أبرزهم الوزير عبد اللطيف وهبي، الذي أصبح فيلسوف السياسة والمجتمع، و في القانون وعلم الاجتماع والدين الفلسفة والانثروبولوجيا وميتافيزيقيا، كأنه موسوعة في جميع العلوم لحل مشاكل المجتمع من خلال سن القوانين غريبة عن المغاربة لم يسبقه إليها أحد من العالمين.
اليوم الوزير وهبي يمسك زمام الأمور في تشريع القوانين القضائية والاجتماعية والمهنية، كأنه حصل على “كارط بلونش” لقيادة المغاربة إلى عصر الأنوار والتقدم الغربي، والقوانين الحداثية والمتحررة من قيود الدين والأعراف والمجتمع والعائلة، الى حياة سكان باريس ولندن وواشنطن، وإخراج المغاربة من الهوية الدينية “تمغرابيت”، إلى القيم الكونية الغربية العنصرية واللإنسانية التي برزت حقيقتها في الصمت والدعم الغربي لجرائم الإنسانية والإبادة الجماعية المرتكبة في قطاغ غزة.
فالوزير وهبي وأفضل من ابن خلدون و”دوركاييم” و”ماكس فيبر”، لأنه يريد وضع قوانين “للدولة الفاضلة” على غرار “المدينة الفاضلة” التي نادى بها أفلاطون، في العصر اليوناني لتكريس قيم العدالة والأخلاق وإبداء الرأي، لكن السيد وهبي يخالف شيخ الفلاسفة في هذا، لأنه يريد تقييد الولوج للعدالة ومنع الفقراء من الاستمرار في التقاضي خلال مراحل القضاء (الاستئناف والنقض)، واقتصار العدالة على الأغنياء فقط ومن لهم قضايا ذات قيمة مالية أكبر، مما يجعل حقوق الناس مؤجلة الى يوم القيامة للبحث عن العدالة الربانية عوض القانونية الدنيوية.
لم تتوقف رؤى الوزير وهبي داخل المشهد السياسي والاجتماعي المغربي، بل وصلت الى قيود الى المحامين وهيئات الدفاع أمام القضاء وحرمانهم من المحاضر والحصول، وتضعيف حضورهم أمام سلطة الاتهام والنيابة العامة في مجال القضاء، من خلال مقتضيات ما جاءت به المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية من مواد مثيرة للجدل، كما قرر قطع الطريق على حماة المال العام سواء الجمعيات المدنية او الحقوقية وحرمانا من التقاضي في قضايا المال العام، أو مقاضاة منتخبين أو مسؤولي مؤسسات، رغم اعتمادها على تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وما حققته من كشف لقضايا هزت الرأي العام مثل قضية كازينو السعيدي، وقضية الوزير مبديع واختلاسات القناة الثانية، وفي قضايا لمؤسسات أخرى ومجالس منتخبة.
السيد الوزير ذهب بعيدا للترويج للعلاقات الرضائية بين الشباب، في قبة البرلمان وفي خلال الندوات وفي لقاءات الأحزاب وبين السادة القضاة والنواب وغيرهم، بشكل يخالف قيم التمغربيت لدى العائلات المغربية، والأخلاق والنجاح والتمسك بالهوية الإسلامية المغربية، حيث يرى الكثير من المغاربة ان رفع الطابع الجرمي للعلاقات غير الشرعية، يهدد كيان الأسرة المغربية والعائلة، مثل ما يحدث في أوروبا وأمريكا من علاقات من مصائب وزنا للمحارم وعلاقات رضائية تفسد تربية الأبناء والبنات.
السيد الوزير لم يتوقف عند التصريحات والحوارات، بل طارد الصحافيين في المحاكم بسبب الانتقادات التي يتعرض لها، مهددا جميع الصحافيين الذين ينتقدون خرجاته او تصريحاته وقراراته بجرهم للقضاء، مثل (المهداوي، هشام العمراني، الطاوجني )، مستغلا منصبه على كمسؤول عن قطاع العدالة، وحصوله على تفويض من رئيس الحكومة، ناسيا المهمة التي يقوم بها كل سنة في مجلس حقوق الانسان بجنيف لتقديم تقرير المغرب حول حرية التعبير والصحافة والرأي وحقوق الانسان، رغم أنه مشرف على المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان بتفويض من الحكومة.
الوزير وهبي تهجم على ابن خلدون أيضا رائد ومؤسس علم الاجتماع، قائلا ” أقبح كتاب عذبي في القراءة هو كتاب بن خلدون، متعب في الحقيقة كرهته حتى قال جملة أعجبتني، قال اذا دخل الفقيه السياسة أفسدته وأفسدها”، دون ان يستحضر مقولة ابن خلدون الشهيرة “اذا تعاطى الحاكم التجارة فسد الحكم وفسدت التجارة”، طالبا من الفقهاء والعلماء الإبتعاد عن السياسة والاهتمام بالشؤون الدينية، بينما هو يتكلم في الدين والشريعة والقرآن ويستدل بآيات قرآنية في خرجاته، ولا يعلم ان السياسة مصدرها الأنبياء وفق حديث شريف للرسول صلى الله عليه وسلم يقول (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الانبياء كلما هلك نبي خلفه نبي) متفق عليه.
لهذا يتساءل الكثير من المغاربة حول طبيعية وهبي المثيرة للجدل، والذي كان معارضا شرسا خلال حكومة العثماني يقود حزبا إداريا وسطيا، فحبذا أن يقف الرجل اليساري السابق وقفة تأمل مع نفسه حتى يعرف أخطاءه وزلات لسانه في خرجاته، ويعلم جيدا انه كوزير عليه ان يذكره الناس بالخير بكلمة ” كان الله عمرها دار” عوض ان يذكروه بالسوء ويتلقى “الدعاوي الخايبة”.