يحيى السنوار وظلال سيد قطب: استلهام الثورة والفكر الإسلامي

بقلم: نعيم بوسلهام

منذ عقود طويلة، لا يزال سيد قطب (1906-1966)، الكاتب والمفكر الإسلامي المصري، يحتفظ بمكانة استثنائية في عقول ونفوس الحركات الإسلامية المعاصرة. إذ تشكل كتاباته، خاصة “في ظلال القرآن” و”معالم في الطريق”، ركيزة فكرية لحركات إسلامية عدة حول العالم، بما في ذلك حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في فلسطين. وعلى رأس هذه الحركة يبرز اسم يحيى السنوار، القائد البارز الذي قيل إنه تأثر بعمق بأفكار قطب. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف تفيا السنوار بظلال سيد قطب، وإلى أي مدى أثر فكر قطب الثوري في مقاومة السنوار ونظرته للصراع؟

من خلال أعماله الأبرز، قدم سيد قطب تصورًا شاملًا للإسلام كمنظومة متكاملة تشمل جميع جوانب الحياة، محاربة للجاهلية الحديثة التي رآها في الأنظمة الوضعية. “في ظلال القرآن”، على سبيل المثال، لم يكن مجرد تفسير للقرآن الكريم، بل كان أيضًا دعوة صريحة لإعادة بناء المجتمع على أسس إسلامية صافية. أما “معالم في الطريق”، فقد طرح فيه قطب مفهوم الجهاد كوسيلة أساسية لإحداث التغيير، مؤكدا على ضرورة تكوين “جيل قرآني فريد” يحمل لواء الإسلام لتحرير البشرية من الظلم والاستبداد.

كانت هذه الأفكار مصدر إلهام للحركات الإسلامية التي تبنت مفهوم الثورة على الأنظمة القائمة لتحقيق ما رآه قطب “التمكين للإسلام”. وهذه الرؤية لم تقتصر على النطاق المصري أو العربي فقط، بل تجاوزت الحدود الجغرافية لتصل إلى فلسطين حيث يتفاعل السياق الخاص للصراع مع الاحتلال الإسرائيلي مع هذه الأفكار الثورية.

يحيى السنوار، الذي ترعرع في أجواء المقاومة الفلسطينية واعتنق فكر حماس، يُعد من الشخصيات القيادية البارزة التي جمعت بين الفكر الجهادي والسياسي. وفي أحد تصريحاته، أشار أحد رفقائه إلى تأثر السنوار بسيد قطب، مما يثير تساؤلات حول مدى استلهامه لأفكار قطب في قيادة المقاومة. السنوار، الذي عاش تجربة الأسر لدى الاحتلال الإسرائيلي لمدة 22 عامًا، خرج أقوى وأكثر تشبثًا بمبادئ المقاومة، ويبدو أن استلهامه لفكر قطب شكل جزءًا من هذا التحول.

قطب لم يكن داعيًا للعنف من أجل العنف، بل كان يرى الجهاد وسيلة لتحقيق العدل الإلهي. هذا التصور للجهاد كأداة للتحرير والتمكين يظهر جليًا في استراتيجية السنوار وحماس في مقاومة الاحتلال، حيث يعتبرون أن العنف المشروع هو السبيل لاستعادة الحقوق المغتصبة.

لا يمكن إنكار أن السيرة الذاتية لكل من سيد قطب ويحيى السنوار تظهر تشابهًا في التضحيات والصمود أمام الظلم. قطب، الذي اختار الموت على التراجع عن مبادئه، أصبح رمزًا للتضحية من أجل العقيدة. والسنوار، الذي أطلق سراحه في صفقة تبادل أسرى عام 2011 بعد سنوات طويلة من الأسر، يعتبر استمرارًا لهذا الخط المقاوم الذي لا يتراجع أمام الصعاب. التمسك بالمبادئ حتى النهاية، بغض النظر عن التبعات، هو خيط مشترك يجمع بين الرجلين.

هذا الارتباط بين فكر قطب وتوجهات السنوار يظهر بشكل واضح في خطابات الأخير التي تركز على الاستمرارية في النضال ضد الاحتلال. فقد أظهر السنوار أن المقاومة المسلحة هي السبيل الوحيد لتحقيق الاستقلال والكرامة، وهي ذات الأفكار التي طرحها قطب في سياق مقاومته للطغيان والاستبداد في عصره.

السؤال الذي يطرحه الكثيرون اليوم هو: لماذا يستمر سيد قطب في إزعاج الأنظمة القمعية حتى بعد عقود من إعدامه؟ الإجابة تكمن في أن أفكاره الثورية لا تزال تمثل تحديًا لأية سلطة تسعى إلى قمع شعوبها أو تكميم الأفواه المطالبة بالعدل والحرية.

سيد قطب، بفكره العميق والمتجدد، استطاع أن يقدم رؤية تتجاوز الزمان والمكان، ليصبح رمزًا لكل من يسعى إلى التغيير الجذري في مواجهة الظلم. وهذا ما يفسر كيف أصبحت أفكاره مصدر إلهام لقادة المقاومة مثل يحيى السنوار، الذين يرون في الإسلام إطارًا متكاملًا لمقاومة الاحتلال والظلم، تمامًا كما رأى قطب في الإسلام منظومة شاملة لتحرير الإنسان من قيود الجاهلية.

في نهاية المطاف، يظهر أن ظلال أفكار سيد قطب ما زالت تلقي بظلالها على الحركات الإسلامية المعاصرة، وخاصة في فلسطين. يحيى السنوار، كأحد أبرز قادة المقاومة الفلسطينية، يمثل امتدادًا لهذه الأفكار، حيث استلهم من قطب رؤية ثورية تمزج بين العقيدة والجهاد. وبينما تستمر حماس في مقاومتها للاحتلال الإسرائيلي، يظل فكر قطب حاضرًا في خلفية الأحداث، مؤثرًا في توجهات الحركة ورؤيتها للصراع.

ليس من المستغرب إذن أن تكون كتابات قطب محل دراسة وتأمل من قادة المقاومة، فمثل هذه الأفكار تقدم لهم بوصلة فكرية وقيمية ترشدهم في مسيرتهم نحو التحرر وتحقيق العدالة.

تعليقات (0)
اضافة تعليق