ندوة بالرباط عن “تاريخ المغرب بين العلم والإيديولوجية: مقدمات وأمثلة”

بالواضح - خالد كرام

شهدت قاعة محمد المنوني برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط يومه السبت 20 يناير الجاري، أجواء علمية مميزة وراقية باستضافة ماستر العلوم الشرعية والبناء الحضاري للمفكر والمؤرخ المغربي الدكتور امحمد جبرون، الذي ألقى محاضرة علمية بعنوان “تاريخ المغرب بين العلم والايديولوجيا: مقدمات وأمثلة”لفائدة جمع غفير من الطلبة الباحثين بسلكي الماستر والدكتوراه.

 افتتح اللقاء بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم بصوت الطالب الباحثخالد المزابيت، تلتها كلمة ترحيبية للمنسق البيداغوجي لماستر العلوم الشرعية والبناء الحضاري الدكتور عبد الرزاق الجاي الذي رحب في كلمته بالضيف الكريم المؤرخ الدكتور امحمد جبرون والذي يعد من أعلام هذا الوطن الذين ينيرون عقول الشباب المحتاجين إلى معرفة هويتهم، والتي لن تتأتى إلا بالاغتراف من  معين تاريخ هذا البلد، مشيرا فضيلته إلى أن معرفة التاريخ هي الأساس لتكوين الشخصية الوطنية التي تفخر بالانتماء لوطنها وهويتها وتاريخها ،وتحقيق ذلك ينطلق من معرفة الأجداد والآباء ، مؤكدا على  أهمية الموضوعمن خلال إبراز دور التاريخ في التعريف بالهوية الحضارية، والتي تعتبر من الأسس والركائز المهمة لتكوين وبناء شخصية متزنة وفاعلة، والافتخار بالانتماء والاعتزازبالهوية والقيم الحضارية لا يتأتى إلا من خلال معرفة التاريخ مؤكدا على أن “منيجهل تاريخه لا يمكن أن يفهم حاضره ولا أن يبني مستقبله” وقد أوضح أن الإنسان الذي لا يدرك عراقة تاريخه ومجد أجداده فلا شك سيكون بلا هوية، فيإشارة إلى أبرز خاصية من خصائص هذه الأمه والتي تشرفت بها وهي:” معرفة الأنساب ومعرفة الإسناد ومعرفة الإعراب، موضحا أن ” العلم لا يكون إلا بالسند والكلام لا يكون إلا بالميزان والشخص لا يعرف إلا بنسبه”.

ثم انتقل إلى تقديم  المحاضر المفكر والمؤرخ الدكتور امحمد جبرون، معرفا بمساره العلمي والبحثي المتميز والأدوار العلمية التي يقوم بها، وأعماله وكتاباته التاريخية، وكذلكالجوائز التي حصلها داخل المغرب وخارجه،ملفتا الطلبة الباحثين إلى مؤلفاته  وإنتاجاته العلمية خاصة كتابه: “تاريخ المغرب الأقصى من الفتح الإسلامي إلى الاحتلال”، والذي تشرف الماستر بتقريره على الطلبة في مباراة الولوج.

إثر ذلك تفضل الدكتور عبد الرزاق الجاي بتسليم الميكرفون للسيد نائب رئيس شعبة الدراسات الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط فضيلة الدكتور سعيد هلاويالذي عبر عن سعادته وسعادة الشعبة والجامعة باستضافة مفكر بحجم الوطن، من أمثال الدكتور امحمد جبرون، المتميز بأفكار النقدية للمشروع الإصلاحي بالعالم العربي والإسلامي،بقراءات لما تتطلع إليه الأمة عموما، معرفا بالمحاضر.

إلى اكتشاف الإنتاجات العلمية للمفكر والمؤرخ، والتعرف على النظرات الفاحصة والدقيقة لتنمية الروح النقدية وما يذكي كفايتهم النقدية في النظر إلى التراث وإلى المنجز الإصلاحي المشترك مع شعبة التاريخ مرحبا بالسيد ممثل هذه الشعبة في هذا اللقاء.

ثم تناول الكلمة الدكتور امحمد جبرون، الذي تقدم بالشكر والتقدير لفضيلة الدكتور  عبدالرزاق الجاي المنسق البيداغوجي لماستر العلوم الشرعية  والبناء الحضاري ومن خلاله للكلية ولرئاسة الشعبة، بعدها  أ شارفي البداية إلى أن الغاية من هذه المحاضرة هو إلقاء الضوء على هذا العلم الذي تم تغييبه، وإعادة الاعتبارله من خلال فصله عن الأيديولوجيا التي أضرت به أيما إضرار، وذلك حتى يكون منارة يهتدى بها، بدل أن يصبح رهينة للأيديولوجيا توجهه لأهدافها ومصالحها.ثم انتقل إلى تعريف علم التاريخ، وعرض مجموعة من التعاريف، اختار منبينها التعريف الذي اعتبره جامعا مانعا، وهو دراسة الإنسان في الماضيوالاختيارات التي اختارها قصد الاعتبار فيما هو آت”،مشيرا إلى أهمية الوظائف الأساسية للتاريخ: خاصة العملية والاعتبارية ثم عرج إلى تعريفالأيديولوجيا، مؤكدا على أن لها استخدامات ملتبسة، يصعب معها تحديد تعريفإجرائي لها، ليصل في النهاية إلى أن الأيدولوجيا هي مجموع المعتقدات والقيم التييتبناها الأفراد والجماعات لأسباب غير معرفية، للحفاظ على وضع قائم أو لتغييرهويستثني من ذلك كل ما هو ديني أو معرفي.

وفي المحور الثاني لهذه المحاضرة تحدث الدكتور عن تاريخ المغرب وماتعرض له من محاولات تزييفه من طرف مجموعه من الأيديولوجيات بدءا بالكولونيا لية الغربية، والتي كانت تروج لا سيما في فتره الاحتلال أن المغرب يعتبرامتدادا للغرب الأوروبي بالادعاء أن البحث الأثري يشير الى تبعية المغرب للغربالإمبريالي لكن هذه الادعاءات لا تدعمها الأدلة التاريخية والعلمية الموثوقة لا سيماوأنها كانت مرتبطة بالاحتلال الفرنسي والإسباني عن طريق البعثات الأوروبية والتيتخدم الأجندة البحثية لهذه المراكز.

لينتقل بعد ذلك الى الأيديولوجيا الثقافية الأمازيغية، والتي تسعى إلى إعادة الاعتبار لما يمكن تسميته بالمكون الإثني الأمازيغي، والذي بلا شك سيكون علىحساب باقي المكونات، حيث تدعي أن الامازيغ هم السكان الأصليون للمغرب وأنالخط الأمازيغي المسمى بالتيفيناغ له أصول من الماضي، لكن بالعودة إلى تاريخ الأركيولوجيا بالمغرب حسب الدكتور جبرون ليس هناك ذكر لمسمى الأمازيغبينما وجد الليبيون والموريون وغيرهم، كما أن الدراسات الحفرية لم تتوصل إلىشيء يفيد أن خط “التيفيناغ” له علاقة بالمكتشفات الحفرية، وأن معظم ما تماكتشافه لم يتوصل بعد إلى فك رموزه، ليخلص في النهاية إلى أن الدولة المغربيةقد استطاعت التعامل مع مختلف الأيديولوجيات الوافدة كالأيديولوجيا الاشتراكية والسلفية وغيرهما، وذلك حتى تبقى هذه اللحمة والوحدة بين مختلف أطيافالمجتمع المغربي ومكوناتهم.

وفي تعقيبه على المحاضرة أعرب فضيلة الدكتور عبدالرزاق الجاي عن شكره العميق للمؤرخ والمفكر الدكتور امحمد جبرون الذي استمتعت القاعة بمحاضرته القيمة والتي حملت عبارات وعبر، وفتحت شهية الباحثين لمناقشة ما بين السطور مؤكدا على  خطر فيروس الإيديولوجيا التي تفسد التاريخ  فتؤدي إلى مسخ الشخصيةجاعلة  المؤرخ بعيدا عن الموضوعية والتحقيق والتدقيق،  كما نبه فضيلة الدكتور عبد الرزاق الجاي إلى عدم إمكانية  نقل تاريخ المغرب عن طريق  المصادر الأجنبية التي تكتب بخلفية إيديولوجية، وأن أكثر المهتمين بالنوازل الفقهية هم المؤرخون الذين يؤرخون لتطور المجتمع، الفكري والاجتماعي، ودورها الكبير في التأسيس للبحث في المخطوطات وفي دراسة تاريخ وحضارة المغرب.

كما أشار أيضا السيد ممثل شعبة التاريخ بالكلية، إلى الصور التاريخية التي تتوفر عليها هذه القاعة، والمشتملة على أعمدة البحث التاريخي بالمغرب، كالسيد ابراهيم بوطالب ، والسيد محمد القبلي، والسيد محمد حجي،   والسيد أحمد التوفيق، هؤلاء الذين أرسوا مدرسة الرباط التاريخية، المدرسة التي انتقدت النزعة الكولونيا لية وأعطت نفسا جديدا للبحث في تاريخ المغرب والفصل بين ما هو  علمي وإيديولوجي، ملفتا إلى الأوراش التي ما زالت مفتوحة من خلال شعب التاريخ بهذه الكلية العتيدة والتي أعطت مجموعة من البحوث من بينها: معلمة المغرب التي كان يشرف عليها الراحل محمد حجي والتي تعتبر اليوم موسوعة تاريخية مهمة تنبني على مقاربات علمية رصينة، يعتمد عليها الباحثون في مساراتهم العلمية.

وأهميته، مجمعة على خطر فيروس الإيديولوجيا القاتلة للتاريخ، مشيرة إلى أمثلة ومحاور، واستفسارات وأسئلة أبرزها:

  • مدى تأثير أدلجة التاريخ واعتبارها سببا من أسباب الغلو والتطرف.
  • نسبة التاريخ المؤدلج وكيف يمكن تنقيح التاريخ من الإيديولوجيات.
  • التساؤل عن تعريب مصطلح الأيديولوجيا
  • اكتشاف الإنسان بين الحقيقة القرآنية والحقيقة العلمية.

وفي تعقيبه على تساؤلات الحاضرين أكد الدكتور امحمد جبرون على اختلاط الدم المغربي وتنوع روافده، لكن جامع المغاربة هو”الانتماء المغربي ـ تمغريبت”.

ضرورة إعمال النقد فيما نقرأه من تاريخ لكشف الميولات والتحيزات والقيم لدى المؤرخ.

العلم يقوم على الدليل والحقيقة العلمية بطبيعتها حقيقة مؤقتة.

ضرورة البحث عن الدليل خلال قراءتنا لأي خطاب تاريخي معين.

تعليقات (0)
اضافة تعليق