بقلم: نعيم بوسلهام
منذ إغلاق مسجد البر في حي الانبعاث بمدينة سلا في ديسمبر من سنة 2022، تستمر التساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء هذا القرار وتأخر عمليات الإصلاح، خاصة أنه يُعد المسجد الجامع الوحيد بالحي والمستوفي لمعايير المساجد الكبيرة.
المسجد، الذي تم تدشينه من قبل الملك محمد السادس في صيف 2007، ليس بناءً قديماً، ورغم ذلك، تم إغلاقه بحجة وجود أضرار في أحد الجدران، مما يفتح الباب أمام مجموعة من التساؤلات حول جودة البناء والمسؤولين عن عملية التسليم والاستلام. فالحديث عن خلل في منشأة لا يتجاوز عمرها 17 عامًا يثير الاستغراب، خصوصًا أن هذا المسجد كان قد حظي باهتمام ملكي منذ تدشينه.
في سياق تحليل ما يحدث، لا يمكن إغفال الدور الإداري للجهات الوصية. ورغم إعفاء المندوب الإقليمي للشؤون الإسلامية بسلا السابق الذي أغلق في عهده المسجد، وتعيين مندوب جديد بالإضافة إلى مجيء رئيس جديد للمجلس العلمي المحلي، فإن المسجد لا يزال مغلقًا. هنا يبرز التساؤل: هل المشكلة في المسؤولين الذين تم تغييرهم؟ أم أن الخلل يكمن في البنية التحتية الإدارية نفسها، التي تعجز عن اتخاذ قرارات جريئة تتعلق بالمساجد المغلقة؟
هذا التأخير يدفع إلى التفكير في ثقافة إدارية تعتمد على تأجيل المشاكل بدلاً من حلها بشكل جذري. فالمصلون وسكان الحي الذين يعتمدون على هذا المسجد يجدون أنفسهم أمام واقع يتجاهل احتياجاتهم الروحية، خصوصًا مع حلول شهر رمضان أو الأعياد الدينية، ما يفاقم استيائهم.
هذا، ويتساءل عدد من المتتبعين عن هرولة المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية لإغلاق المساجد في حالة ظهور أدنى الأضرار دون أن تقدم حلولاً بديلة أو جدولاً زمنياً واضحاً لإعادة الفتح. هذا الأسلوب الإداري يبدو بعيدًا عن التخطيط السليم الذي يراعي حاجة المواطنين. فمنذ إغلاق المسجد قرابة السنتين الآن، لم تُعلن المندوبية عن أي مشاريع إصلاح فعلية، ولم تقدم أي بدائل للمصلين، مما يجعل الأمر يبدو وكأنه مجرد “إجراء شكلي” أكثر من كونه خطوة عملية تهدف إلى الإصلاح.
علاوة على ذلك وفي ظل غياب التفاعل الجاد مع ملف المسجد، رفضت المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية ومعها مديرية المساجد عروض بعض المحسنين الذين أعربوا عن استعدادهم لتحمل تكاليف إصلاح المسجد بالكامل. هنا تتصاعد الأسئلة حول أولويات هذه المؤسسات: هل الهدف فعلاً هو الإصلاح أم أن هناك اعتبارات أخرى قد لا تكون مرتبطة بمصلحة المصلين؟
ويعتبر عدد من المتتبعين للشأن السلاوي ان رفض تمويل الإصلاحات من قبل محسنين من المجتمع المحلي خطوة غير مفهومة، خصوصًا أن هؤلاء المحسنين يعرضون حلولًا سريعة ومباشرة لتسريع إعادة فتح المسجد. هذا الرفض قد يفسر على أنه نوع من البيروقراطية التي تعرقل المبادرات المجتمعية التي تسعى إلى تحسين الأوضاع.
في جلسة برلمانية سابقة، أكد وزير الأوقاف أحمد التوفيق أن الوزارة تغلق ما بين 250 و300 مسجد سنويًا لأسباب تتعلق بالسلامة، مشيرًا إلى أن الوزارة تحتاج إلى “مليار و200 مليون درهم” لإصلاح هذه المساجد. ومع ذلك، فإن عدم تخصيص موارد كافية لإصلاح مسجد البر يطرح سؤالًا حول ما إذا كانت المشكلة تتعلق بالفعل بغياب الموارد المالية أم أن هناك أزمة في إدارة هذه الموارد بالشكل الأمثل.
بناءً على هذا السياق، يمكن القول إن المسؤولية الإدارية في هذا الملف تبدو مزدوجة: فمن جهة، هناك تقصير في رصد الموارد الكافية للإصلاح، ومن جهة أخرى، هناك غياب لرؤية إدارية واضحة تستجيب لحاجة المواطنين إلى دور العبادة، خصوصًا في الأحياء ذات الكثافة السكانية العالية مثل حي الانبعاث.
إن إغلاق مسجد البر بحي الإنبعاث يعيد إلى الواجهة النقاش حول مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في القضايا المتعلقة بالشأن الديني. فالبناء الذي تم تدشينه في 2007 يجب أن يكون قد مر بمراحل فحص وتدقيق لضمان سلامته، وإذا كانت هناك أضرار تستدعي الإغلاق، فمن هي الجهات التي أشرفت على البناء وأين كانت الأخطاء في الرقابة؟
يرى عدد من المتتبعين للشأن السلاوي أن المطلوب اليوم هو الشفافية في إدارة ملف المساجد المغلقة بالمدينة وتحديد المسؤوليات، سواء فيما يتعلق بالبناء أو التأخير في إعادة الفتح. فالسياسة التي تتبنى تأجيل الحلول لا تخدم مصلحة المصلين ولا تتماشى مع الرؤية الملكية التي تهدف إلى توفير دور عبادة تتسم بالجودة والسلامة للمواطنين.
مع استمرار إغلاق مسجد البر وعدم وجود إشارات واضحة حول موعد إعادة فتحه، يجد سكان حي الانبعاث أنفسهم أمام تساؤلات مشروعة حول جدوى إدارة الشؤون الدينية في المدينة. فهل سيظل المسجد مغلقًا دون حلول فعلية؟ أم أن الجهات المعنية ستتخذ خطوات عاجلة لإعادة فتحه، سواء عبر توفير الموارد اللازمة أو قبول عروض المحسنين؟
الأمل معقود على تحرك سريع يعيد إلى هذا المسجد دوره المحوري في حياة المصلين، ويعكس التزام المؤسسات بتحقيق التوازن بين الحفاظ على سلامة المنشآت وضمان حق المواطنين في أداء شعائرهم في ظروف لائقة.