في ندوة علمية بسلا.. أكاديميون وأساتذة باحثون يسلطون الضوء على الرؤية الملكية الاستشرافية لتنمية دول الساحل الأطلسي الأفريقي
ع. عسول
نظمت جمعية الاهداف النبيلة الخميس الماضي بالمركب الثقافي سعيد حجي بسلا ، ندوة علمية تناولت بالدرس والتحليل موضوع “المبادرة الأطلسية للمغرب .. رؤية استشرافية ملكية لمستقبل الشعوب المطلة على المحيط الاطلسي وتعزيز لمكانة افريقيا في الاقتصاد والأمن العالمي”.بمشاركة ثلة من الأكاديميين والأساتذة الباحثين المختصين في مجالات الجغرافيا وسياسات التنمية والأمن و الشؤون الأفريقية..
عبد العزيز ملوك رئيس جمعية الاهداف النبيلة افتتح الندوة بكلمة عميقة سجل فيها “…. أن ميلاد مبادرة تكامل على الواجهة الأطلسية لأفريقيا ليس وليد صدفة أو مجرد ضربة حظ، بل هو رهان ومبادئ واستثمار واستشراف ملكي مغربي لمستقبل الشعوب المطلة على المحيط الاطلسي وتعزيز لمكانة افريقيا في الاقتصاد والأمن العالمي.
استشراف تتجلى دلالاته في اهتمام العديد من الفاعلين في هذا الفضاء الجهوي لبناء أرضية مشتركة ومنصة مفتوحة للتعاون والحوار والتبادل وتعزيز القدرات التنافسية للبلدان ال 23 المعنية بغية التحرك بالفعالية والدينامية المطلوبة لجعل الساحل الأطلسي الأفريقي مصدرا للحلول الأمنية والفرص الاقتصادية والاستثمارية في إطار توجه اقتصادي يسمى باقتصاد المحيطات…”.
وفي مداخلة قيمة له تحت عنوان (أهمية المبادرة الملكية الأطلسية.. في معالجة الهجرة غير النظامية والقضاء على الإرهاب في دول جنوب الصحراء)، شدد الأكاديمي الجغرافي الحسن عبيابة رئيس مركز ابن بطوطة للدراسات والابحاث العلمية والاستراتيجية والوزير السابق، أن المبادرة الملكية جاءت في خطاب الذكرى الـ48 للمسيرة الخضراء، التي أكد فيها جلالته أن هذه المناسبة هي تأكيد لربط المغرب الإفريقي التاريخي، وربط أقاليم المغرب الجنوبية بدول الساحل الإفريقي الأطلسي، كما أشار عبيابة بأن الدستور المغربي 2011, قد أشار في تصديره على (… تقوية علاقات التعاون والتضامن مع الشعوب والبلدان الإفريقية، ولاسيما مع بلدان الساحل وجنوب الصحراء…)، مما يدل على أن جلالة الملك قد فعل الدستور المغربي على المستوى الإفريقي . وأعتبر عبيابة عودة المغرب إلى الحضن المؤسساتي للاتحاد الإفريقي في سنة 2017، عودة قوية وقيمة إضافية وقوة اقتراحية كبيرة توجت بالمبادرة الملكية الأطلسية .مذكرا بأن العاهل المغربي محمد السادس قد أكد بأن إطلاق مبادرة الأطلسي على المستوى الدولي، غايتها تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي، إيمانا راسخا من جلالته بأهمية التعاون “جنوب-جنوب”. في القارة الإفريقية، وقد تكرر هذا التأكيد في الرسالة الملكية بمناسبة انعقاد القمة الـ15 لمنظمة التعاون الإسلامي التي انطلقت أشغالها اليوم السبت 4 ماي الماضي بالعاصمة الغامبية بانجول تحت شعار “تعزيز الوحدة والتضامن من خلال الحوار من أجل التنمية المستدامة”، كما أن المغرب سعى بكل الوسائل الممكنة لدعم مشروع أنبوب الغاز المغرب – نيجيريا الذي يتماشى مع الأهداف الاستراتيجية للتعاون والتضامن المشترك بين المغرب والشعوب الإفريقية، لأنه يمر جزء منه من مجموعة من الدول الساحلية الأطلسية، وإعتبار هذا المشروع هدفا في الاندماج الجهوي والإقلاع الاقتصادي المشترك ولتشجيع دينامية التنمية على الشريط الأطلسي، لمواجهة التهديدات المتزايدة لأمنها الطاقي والغذائي ونموها الاقتصادي.
أيضا أكد عبيابة أن العديد من قادة الدول الإفريقية المعنية بالمبادرة الأطلسية اعتبروا المبادرة الملكية كمسار لشراكة إفريقية استراتجية تهدف بالأساس الى تعزيز روابط التعاون والاندماج بين الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي وذلك من أجل السلام والاستقرار والتنمية المستدامة المشتركة في المنطقة ،و أن المبادرة الأطلسية المغربية هي جزء من هيكلة القارة الإفريقية إقتصادياً وجيوسياسا ، ولاتعني أبدا التخلي عن الفضاء الأورومتوسطي ، وأنما هو مشروع مشترك متكامل جيوسياسي يربط قارة أوربا بإفريقيا .
كما تأتي المبادرة الملكية في سياقها الدولي، حيث بدأ الإهتمام منذ خمس سنوات بالدول الإفريقية الأطلسية دوليا ، وخصوصا من طرف الولايات المتحدة الأمريكية ، إذ قامت بتعيين منسقة خاصة بدول الساحل الإفريقي الأطلسي بوزارة الخارجية الأمريكية السفيرة جيسي لابين ، وكذلك بدأ الإهتمام من طرف بريطانيا وفي تاريخ 18 سبتمبر 2023، أطلق وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن الشراكة من أجل التعاون الأطلسي وهي مبادرة تستشرف مستقبل الشعوب المطلة على المحيط الأطلسي، ومنذ انطلاقة هذه الشراكة تم عقد العديد من الاجتماعات رفيعة المستوى أسفرت عن اعتماد إعلان التعاون الأطلسي ووضع خطة عمل مشتركة ، وتهدف المبادرة الأمريكية للتعاون مع الدول الإفريقية الأطلسية للتغلب على التحديات المشتركة، وهي تحديات أمنية واقتصادية ، وخلق التنمية المندمجة الكفيلة بضمان استدامة موارد المحيط الأطلسي للأجيال القادمة ، بالإضافة إلى إهتمام اقليمي من الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا بدول غرب أفريقيا ودول الساحل والصحراء..
وفي سياق مداخلته أكد الدكتور الحسن عبيابة بأن المبادرة الملكية الأطلسية تميزت على المبادرة الأمريكية بإضافة أربع دول إفريقية حبيسة لدول المحيط الأطلسي بحيث تصبح 23+4 ويكون المجموع 27 دولة أطلسية، مما يحقق ثلاث أهداف استراتجية هامة :. توسيع دول الأطلسية الإفريقية . القضاء على المجموعات الإرهابية في هذه المناطق بتنمية هذه الدول. إضافة أكثر من 60 مليون نسمة إلى دول الساحل الأطلسي ، وإضافة نحو 4 مليون كم2، ونحو 45 مليار دولار من الناتج الإجمالي لهذه الدول.
الأستاذ الباحث محمد حركات رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والحكامة الشاملة، تناول ” العمق الجيوستراتيجي والجيو اقتصادي للبحار والمحيطات واللوجيستيك ، على ضوء المبادرات المغربية الأفريقية الأطلسية”، مفتتحا مداخلته بالتطرق للسياق الدولي والإقليمي، حيث تبرز أزمة منظومة الانتاج العالمية،وما أسماه بعسكرة الاقتصاد العالمي، والانتقال من الوفرة للنذرة ، سواء في المياه، الطاقة وفرص الشغل، وتعمق التفاوتات بين الشمال والجنوب ،واشتداد صراع الدول الكبرى (على رأسها أمريكا والصين) على الملاحة التجارية واعتماد استراتيجيات دولية تخص الدفاع عن البحار والمحيطات خصوصا أن الإمدادات والملاحة البحرية تمثل حوالي 90% من المبادلات العالمية .في هذا السياق تأتي المبادرة الملكية الأطسلية باهداف على رأسها المساندة الاقتصادية والاجتماعية للأفارقة، خاصة أن المحيط الاطلسي يمتد ل 23 دولة بحمولة قوية، تمثل 46% من عدد سكان القارة، و55% من الناتج الاجمالي الأفريقي، مايبرز الأهمية القصوى للمبادرة المغربية كمشروع بحري يضمن أولا أسباب التغذية ومساعدة الدول الحبيسة بالساحل التي ليس لها منفذ للبحر.إضافة لأهداف أخرى لا تقل أهمية على المستوى العلمي، الثقافي، الديبلوماسي والتاريخي..
وتطرق ذ.حركات الى آليات تنزيل المبادرة المتمثلة في ربط المغرب باحواض الانتاج بالشريط الساحلي الصحراوي، عبر الربط بالموانئ المغريية خاصة ميناء الداخلة الأطلسي والانفتاح على قارات أخرى،والدعم المالي لعدد من الممولين من خلال الحضور الإماراتي وخلق تحالف أفريقي والإندماج في سلاسل القيمة الإقليمية والعالمية ،كل ذلك يتطلب في نظر المتدخل الإسراع في تنظيم وهيكلة جديدة للأسطول البحري وإشراك الكفاءات العلمية المتخصصة في الاقتصاد البحري الأزرق…
الأستاذ موسى المالكي رئيس المنتدى الأفريقي للتنمية والابحاث الجغرافية والاستراتيجية، سجل أن النخب والقادة الأفارقة واعون بأهمية هذه المبادرة وأهدافها، من خلال استشرافها لمستقبل القارة، وفرصة لعكس آية الصاق كل التعثرات بها، رغم غنائها بالثروات والموارد الطبيعية..
واعتبر المتدخل أن المبادرة تؤسس بمثانة وثقة للوحدة ،من خلال العقل الجغرافي الاستراتيجي المغربي الممتد على مدى 14 قرنا ومن خلال معركة المغرب لبناء أفريقيا جديدة ذات سيادة في إطار من التعاون والتكامل الاقتصادي والأمني والسياسي…
وسجل نفس المتحدث أن موقع المغرب الجغرافي والتنوع الايكولوجي بواجهتين بحريتين، يجعل له نقط قوة وانبعاث وأيضا يشكل موضوع أطماع.. نستشف ذلك مما خلفه الاستعمار الفرنسي من أضرار على بلادنا على إثر اقتطاع أجزاء من أرضه لالحاقها بملحقة فرنسا الجزائر .(مقترحا في هذا المجال توصية لخلق متحف خرائط المغرب والمملكة الشريفة على مدى قرون تشكله )…
على مستوى آخر أكد د.موسى أن القادة الذين تعاقبوا على حكم المغاربة كان أغلبهم يحترس من المخاطر التي تأتي من البحر و يقيمون عاصمتهم بعيدا عن البحر كفاس مراكش ، لكن الملك محمد سادس قلب هذه المعادلة بتعزيز التنمية من خلال الساحل البحري والبعد البحري ، عبر تقوية الأسطول التجاري البحري وخلق ميناء طنجة المتوسط ، ترسيم الحدود البحرية المغربية، و قانون سنة 2020 الذي خصص برامج تنموية ضخمة للاقاليم الجنوبية ..
واعتبر العارض أن المبادرة ذاتها تسعى لكسب النخب الأفريقية ” عبر الدعامة الاقتصادية والاستثمارات و الزيارات ملكية والروحية والتعاون الأمني العسكري والديبلوماسية الموزاية والتعاون العلمي والتعليمي والرقمي والثقافي ..
من جهته شبه الدكتور عبدالرحيم منار السليمي رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني” المبادرة الملكية الأطلسية بمثابثة مشروع ماريشال لإعادة بناء وتنمية دول غرب أفريقيا والساحل وتجديد النظرة للمحبط الاطلسي ، كمنطقة حيوية للطرق التجارية والعلاقات الدولية ،بحيث تملك 57% من إجمالي التجارة الأفريقية. مبادرة تأتي في سياق ترجمة المغرب كدولة أمة لهويته المتعددة الأبعاء بما فيها المتوسطية والأفريقية ،وبعد تطويره لسياسات عمومية وتنموية في الفلاحة،الخدمات البنكية ، الاتصالات والطاقة والطرق، و إطلاقه للمشروع التنموي الجديد، و تفريد المناطق الجنوبية ببرامج تنموية خاصة و غيرها ، ما يجعله مؤهلا لتقديم تجربته وخبرته على المستوى الأفريقي.”
والثابت اليوم يقول السليمي “أن دول المحيط الأطلسي الإفريقي، وهي تتابع الطريقة التي تأخذ بها المملكة المغربية الريادة وتحول المحيط الأطلسي إلى مجال حيوي جديد في النظام الدولي الانتقالي، وكيف تستعد لربط شمال الأطلسي بجنوب الأطلسي الإفريقي ومد شبكات العلاقات الأطلسية نحو ضفة الأمريكيتين، وكيف أن المملكة المغربية تبني بشراكة مع نيجيريا مشروع أنبوب الغاز الذي يمتد على الأطلسي الإفريقي نحو أوروبا، وأن دول المحيط الأطلسي الإفريقي تتابع المقاربة الجديدة التي يعمل بها المغرب مع دول الساحل، وينقلها من منطقة ينظر إليها العالم من زاوية الحروب والصراعات وموطن التنظيمات الإرهابية إلى نظرة جديدة تعيد إحياء تاريخ مالي والنيجر وغيرها من دول الساحل التي ظلت إلى حدود المنتصف الأول من القرن العشرين ممر عبور التجارة البرية نحو إفريقيا، وطريق حج المسلمين نحو الديار المقدسة، هذه هي الصورة التي يعيد المغرب إحيائها بمقاربة إقتصادية تنموية تفتح لدول الساحل الطريق نحو معبر الكركرات للذهاب نحو أوروبا أو غرب إفريقيا الأطلسية ونحو موانئ المحيط الأطلسي”.